أصدرَت قيادة الجيش بياناً مقتضَباً أمس أعلنَت فيه عن توقيف زياد خالد الرفاعي الذي خطّط مع آخرين لإنشاء إمارة لـ»داعش» في مناطق من شمال لبنان. مَن هو خالد الرفاعي وما هي تفاصيل خطة «داعش» لإنشاء إمارة في لبنان؟
أوقفَت مخابرات الجيش اللبناني قبل أيام الإرهابي زياد خالد الرفاعي، وبذلك تكون قد وضَعت يدها على صيد أمني ثمين أتاح الكشف عن تفاصيل أحدث خطة لـ«داعش» في لبنان. فالرفاعي جزء مهمّ من حلقة إرهابية أساسية تحَضّر وتخَطط منذ أشهر، عبر تواصُل مباشَر لها مع قياديّين موجودين في عاصمة إمارة «داعش» في الرقة، لتنفيذ مشروع إنشاء إمارة إسلامية في شمال لبنان.
وحصَلت «الجمهورية» على تفاصيل عن هذه الخطة، وعن الدور التنفيذي الأساسي للرفاعي فيها، مع الإشارة الى أنّ توقيفه شكّل ضربة استباقية لمجمل هذه الخطة وهي لا تزال في مرحلة الإعداد والتحضير اللوجستي لإتمامها.
ماذا في التفاصيل ؟
في 6/11/2015 أوقفَت مخابرات الجيش زياد الرفاعي المرتبط بثلاثة من أخطر قياديّي «داعش» العاملين في الساحة اللبنانية، وهم: الفارّ نبيل السكاف المعتبَر الإرهابي الأخطر على الإطلاق ويَحفل سجِلّه الأمني بوقائع عن تورّطه في قتال الجيش في طرابلس وتجنيد مقاتلين وإنشاء خلايا نائمة مرتبطة بـ«داعش»، ويَعمل السكاف مع إرهابيين من أخطر رموز «داعش»، ويَقع ضمن مسؤوليّاته الأخيرة التخطيط لتجنيد مقاتلين والاستحصال على أموال من «داعش» في الرقة والسعي بوسائل مركبة لإنشاء إمارة إسلامية في عكّار.
القياديّ الثاني هو محمد عمر الايعالي المكنّى بـ»أبو البراء» الموجود في الرقة والمسؤول عن تجنيد مقاتلين لمصلحة «داعش» داخل لبنان، وهذان الأخيران والرفاعي بدرجة تالية مرتبطون مباشرةً بالقيادي الثالث المعروف بـ»أبو أيوب العراقي» المكلّف من «داعش» متابعة الملف اللبناني.
خطة «داعش» في عكّار
يملك الرفاعي في الواقع أسرار أحدث خطة لـ»داعش» لإنشاء إمارة في عكار، وتكفي علاقته بالسكاف الذي يتصدّر قائمة الإرهابيين الأخطر في لبنان، لتشيَ بأهميّة دوره وموقعِه داخلَ كلّ معادلة الإرهاب في لبنان.
واستناداً إلى اعترافات الرفاعي، فإنّ قصّة بَدء توجّه «داعش» لإنشاء إمارة في عكار تعود إلى اجتماعٍ كانَ عُقد قبل نحو أسبوعين مِن بدء الجيش اللبناني معركةَ إخراج الإرهابيين من طرابلس. وقد عُقد هذا الاجتماع في منزل طارق الخياط، وحضَره نبيل السكاف وخالد منصور وأسامة عنتر ومحمد أسعد.
وتَركّزَ الاجتماع حينها على إنشاء مربّع أمني في منطقة الأسواق في طرابلس، يكون تحت إمرة ابراهيم بركات. وتمَّ اعتماد مسجد «أبو الأنوار» مقرّاً لبركات. ولكن في ذلك اللقاء أبلغَ الخياط الى الرفاعي الذي كان بين الحاضرين أنّ «داعش قرّرت إنشاءَ إمارة إسلامية تابعة لها في الضنّية وطرابلس، وأنّه تمّ تكليف «أبو الهدى» الميقاتي قطاع الضنّية.
حدثَ آنذاك أنّ مخابرات الجيش أوقفَت الميقاتي، وعلى الأثر تمركزَ الرفاعي مع مجموعته في محيط مسجد الحجيجية في طرابلس حيث شاركَ في القتال ضد وحدات الجيش. وبعد تقدّم الأخير داخل الأسواق انسحبَ الرفاعي مع مجموعته، وتمكّن من الوصول الى منزل في شارع الراهبات. وبقيَ منذ ذلك الحين متوارياً محتفظاً بتواصله مع الايعالي (أبو البراء) عبر تطبيق «التيليغرام».
خلال حزيران الماضي، أخبَر الايعالي الرفاعي عن مشروع حديث لـ«داعش» يُحضّر له ويهدف للسيطرة على وادي خالد وبعض القرى العكارية، وتمّ تحديد بلدتين لتكونا نقطة انطلاق إنشاء الإمارة منهما. وعليه طلبَ الايعالي من الرفاعي التوجّه الى إحدى هاتين البلدتين لحضور اجتماع مخصّص لوضع الخطوات التنفيذية للمشروع.
وفي 10/7/2015 توجَّه الرفاعي برفقة عيسى عِوَض (أوقفَته مخابرات الجيش) إلى تلك البلدة وأقاما فيها لأسبوع داخل منزل آمن عُقدت فيه جلسات عدّة حضَرها نبيل علي السكاف والسوريان جوهر مرجان ومحمد يحيى سلوم وجاسم سيّد الدين والجندي الفارّ عاطف سعد الدين.
وتمحوَر البحث حول سُبل تجنيد مقاتلين، والاستحصال على التمويل بهدف تنفيذ عمل عسكري للسيطرة على البلدتين اللتين حدّدتهما «داعش» نقطةً لانطلاق مشروع إمارتها في عكار.
وأبلغَ مرجان إلى المجتمعين أنّه يمكن الإفادة من نحو 60 مقاتلاً من فلول «جند الشام» موجودين في عكار تحت إمرة «أبو أحمد» السوري.
بعد ذلك، عاد الرفاعي إلى طرابلس برفقة عِوَض، واستمرّ في التواصل مع «ابو البراء» الايعالي الذي كان يسعى لتأمين الدعم المالي بالتنسيق مع قيادة «داعش» في الرقّة.
وفي الفترة نفسها، تمَّ تكليف الرفاعي تجنيدَ شبّان من طرابلس بالتنسيق مع «أبو مجاهد» وهي كنية لمحمّد على عبيد (تمّ توقيفه أيضاً). وكان السعي الى تجميع مقاتلين من فلول «جند الشام» في عكار وشبّان من طرابلس يُجنّدهم الرفاعي وآخرين يُجنّدهم السكاف، قد بلغَ ذروته، وذلك في الوقت نفسه الذي كان «ابو البراء» يستكمل جمعَ المال المطلوب لبَدء خطة إمارة «داعش» في لبنان.
لكن ما أوقفَ كلَّ هذا المسار، هو الضربة المباغتة التي وجّهتها مخابرات الجيش للخلية الصلبة في هذا المشروع التي تمثّلت بتوقيف الرفاعي ذي الصِّلة التنفيذية بأبرز قادة ملفّ خطة «داعش» في لبنان، أي السكاف والايعالي و»أبو ايوب» العراقي.
قصّة الرفاعي
وتُظهر التفاصيل الخاصة بزياد الرفاعي، أنّه مِن بلدة بنين عكّار مواليد 1985، عملَ بدايةً في محالّ للأحذية مدّة 8 سنوات، ثمّ افتتح محلّ سمانة في شارع الراهبات في طرابلس وظلّ فيه حتى توقيفه. بدأ منذ تسع سنوات بالتردّد على مساجد طرابلس، ولا سيّما منها مسجدي الحجيجية وخديجة، ودرسَ لدى الشيوخ بلال بارودي وربيع جابر وسالم الرافعي، وأتقنَ تجويد القرآن. ومنذ العام 2011 بدأ يَؤمّ المصَلّين.
وتربط الرفاعي علاقة تاريخية بالإرهابي المطلوب خالد زكي منصور الملقّب «أبو الدرداء». أمّا علاقته بمحمد عمر الايعالي (أبو البراء) فبدأت عام 2012 حيث تعرّفَ إليه في مسجد الحجيجية.
وفي العام نفسه توَجّه الرفاعي و«أبو البراء» بمبادرة من الاخير الى مخيّم الميّة وميّة للّاجئين الفلسطينيين قرب صيدا، ورافقَهما على الشامي، وخضَعوا هناك لدورة عسكرية لدى أحد التنظيمات الإسلامية.
ثمّ عاد إلى طرابلس بناءً على طلب الرافعي ليشاركَ من موقع محور الشعراني في معارك التبّانة – جبل محسن، وليذهبَ بَعدها الى سوريا للقتال عبر صديقه رشيد الصالحاني الذي قتِل في القلمون.
في تمّوز 2013، قادته معرفةٌ باللبناني «أبو المغيرة» للسفر عبر مرفأ طرابلس الى تركيا، ومن هناك دخل الى الريحانية ومنها إلى ريف إدلب فمدينة حلب حيث تابَع دروساً في علم الأسلحة ودورة خاصة في حرب الشوارع دامت ثلاثة أشهر. ثمّ عاد الى لبنان عبر المسار عينه.
في تركيا، تعرّفَ الرفاعي أواخرَ عام 2013 بالإرهابي نبيل السكاف. وفي العام نفسه عرّفه «أبو الدرداء» خلال لقاءاته به في مسجد الحجيجية على الإرهابيّين: طارق الخياط، أسامة عنتر، ابراهيم بركات، وأحمد سليم ميقاتي. وفي تلك الفترة كان الايعالي توَجّه الى الرقة، لكنّ الرفاعي حافَظ على تواصلِه معه.
وسُجّل آخرُ تواصُل عمل بينهما قبَيل معركة تطهير الجيش اللبناني لطرابلس، ومن ثمّ خلال متابعته والإيعالي مع السكاف وأبو ايوب العراقي تحضيرات خطة إنشاء إمارة في الشمال انطلاقاً من السيطرة على بلدتين في عكار، لكنّ يقظة مخابرات الجيش التي نجحت في توقيف الرفاعي قطعَت كلّ هذا المسار أثناء فترة الإعداد له.