IMLebanon

قصة خجل!

ليس بسيطاً ولا هيّناً ولا عابراً، أن يتّهم رئيس إيران الشيخ حسن روحاني أخصامه في السباق الانتخابي الرئاسي، بأنّهم «لم يفعلوا شيئاً سوى إعدام المعارضين» على مدى السنوات الثماني والثلاثين الماضية.

وليس هيّناً ولا بسيطاً في المقابل، أن يصل مستوى الردح المتبادل بين طرفَي الانتخابات (الأزمة!) الى زوايا حادة وفضّاحة، ليس فقط في شأن قضايا «سيادية» وكبيرة مثل «الاتفاق النووي»، وأخرى ذات صلة «حميمة» بالاقتصاد والتنمية ومستوى العوز، والقصور الخطير الذي لم تستطع «الدولة» تفاديه أو التقليل من سلبياته.. وإنما أيضاً، الى النقر والحفر في التاريخ الشخصي للمرشحين الرئاسيين، وصولاً الى خلاصة تضع الجميع في خانة «الإجرام ضد الغير».

وذلك كلام يتطاير فوق السطح. وفي مهرجانات إنتخابية مفتوحة على الملأ. وفي حملات وتصريحات ومواقف تندلق بيسر وسهولة أمام الجميع، بما يحيل المتلقي (الخارجي) الى استنتاج، بأن ما يحصل في إيران قبل الانتخابات المقرّرة في التاسع عشر من الشهر الجاري، ليس سباقاً على رئاسة الجمهورية، بقدر ما هو سباق على التنصّل من مسؤولية الحال التي وصلت إليها هذه الجمهورية.. وعلى التبرؤ من ارتكابات «الثورة» في حق معارضيها وإفراطها في القتل والتنكيل.

وتلك إشارات يائسة وبائسة، وتعاكس المألوف.. أي بدلاً من أن يتشاوف المرشح لرئاسة إيران «بدوره» و«تضحياته» و«بطولاته» في «المسيرة الثورية الجهادية» التي أنتجت الجمهورية ورسخت سلطتها، يفعل العكس تماماً! ويتهرّب من مسؤوليته! ويضع أحمالها على منافسه! ويتّهمه بارتكابات قديمة لكن بنتائج حديثة! أي كأنّ النخبة الإيرانية اليوم تتبادل، الاتهامات بـ«إعدام المعارضين» من زاوية أنّ ذلك هو أحد الجذور التأسيسية للأزمة المتعددة الطبقات والوجوه والعناوين التي ترزح تحت وطأتها إيران اليوم.

وإلاّ ماذا يعني الأمر غير ذلك؟؟ وهل كان يمكن تخيّل هذا المستوى من الردح، لو أنّ أحوال إيران غير ما هي عليه؟!

.. الى اليوم، لا تزال كوبا تلهج بـ«المسيرة المظفرة» لفيديل كاسترو ورفيقه أرنستو تشي غيفارا، وتعيد من دون كلل، الإضاءة على «بطولاتهما» الشخصية في جبال سييرا مايسترا والتي تتضمن، من جملة طقوسها ورواياتها، الكثير من حالات قتل «أعداء الثورة»، و«العملاء» و«المندسّين» و«المرتكبين»..الخ.

وبالأمس القريب، ضجّ أقطاب الحزبين الجمهوري والديموقراطي في واشنطن، بمحاولة المرشح دونالد ترامب التشكيك في تاريخ السيناتور جون ماكّين و«تضحياته» في حرب فيتنام! وهو الذي وقع في الأسر وبقي فيه لسنوات تعرّض خلالها للتعذيب على أنواعه.

والمعنى المقصود، من إيراد مثالين متناقضين، واحد آتٍ من دولة عظمى وناجحة اسمها الولايات المتحدة، وآخر آتٍ من دولة متواضعة إسمها كوبا، هو أنّ الرأي العام في أيّ بلد يتابع بدأب وعن كثب يوميات المتنكّب لأدوار ومسؤوليات وطنية، مثلما يهتم بتفاصيل تاريخه في «الخدمة العامة» والمجمع على اعتبارها «خدمة عامة» حتى لو كانت «قتلاً للأعداء» في الداخل (الكوبي) أو الخارج (الفيتنامي). ومثلما أنّ مسيرة كاسترو وغيفارا هي موضع افتخار أكيد، فإنّ محاولة ترامب التبخيس بتضحيات ماكّين هي موضع ذمّ أكيد!

.. لكن في إيران، على ما تقول تلك الاتهامات، حالة أخرى لا تدل سوى على «خجل عمومي» من تاريخ قريب وحديث، يتبرّأ منه صانعوه وروّاده!

.. وهذا في كل حال، أكثف اختصار ممكن وعلى ألسنة أصحابه لفشل استثنائي دفع ولا يزال يدفع أثمانه، إيرانيّون وعرب ومسلمون على حدٍّ سواء!