استفاقت السلطات المعنية اخيرا وتحركت لانهاء البؤرة الارهابية في سجن روميه المركزي التي تحولت الى «غرفة عمليات» لإدارة وتنفيذ العديد من الاعمال الارهابية الاجرامية ضد اللبنانيين والتي كان اخرها مجزرة جبل محسن.
حسنا فعل وزير الداخلية نهاد المشنوق بالاشراف على هذه العملية الامنية الجراحية التي كان يفترض ان تحصل منذ فترة طويلة لتدارك سقوط العديد من الضحايا والجرحى الابرياء… وربما يصحّ او لا يصحّ في مثل هذه الحالة المثل القائل«ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي ابدا».
حكاية هذه البؤرة الارهابية في سجن روميه حكاية قديمة بدأت في عهود الحكومات السابقة ولم تنته الى يومنا هذا رغم الاصوات والتحذيرات التي اطلقها العديد من القيادات والمسؤولين وفي مقدمهم الرئىس نبيه بري الذي وصف منذ فترة طويلة هذا السجن بأنه تحول الى «فندق خمس نجوم» والذي رفع الصوت مجددا في 14 تشرين الاول الماضي ونقل عنه قوله «ان هناك قيادة لداعش وللقاعدة في سجن روميه، وهي ناشطة ومحمية بفعل تساهل الدولة حيالها وعدم تحمل مسؤولياتها في مكافحتها».
ومنذ ما قبل ولادة هذه الحكومة ومع تعاظم العمليات الاجرامية الارهابية في اكثر من منطقة لبنانية تأكد وفق المعلومات والتقارير الرسمية والوقائع التي حصلت في السجن وخارجه ان هناك غرفة عمليات ارهابية تدير وتعطي الاوامر لخلايا ارهابية في الخارج من اجل تنفيذ العديد من هذه المجازر والجرائم غير ان كل ذلك لم يدفع الجهات المعنية المختصة الى المبادرة والتحرك لمحاربتها ومكافحتها لاسباب يمكن وضعها تحت خانة التساهل والحماية من خلال تقصير الدولة ان لم نقل التواطؤ من قبل البعض.
ووفقا لما تسرب من معولمات طوال هذه الفترة الطويلة فان سجناء المبنى «ب» حولوا هذا الجناح الى امارة ارهابية بكل معنى الكلمة وتمكنوا بفعل هذا التقصير والتساهل من تنفيذ جرائمهم بالتنسيق والتواصل مع الخلايا الارهابية في الخارج بواسطة التهاتف الخليوي المباشر والانترنت دون حسيب او رقيب.
لا بل ان حراس السجن كانوا في كثير من الاحيان عاجزين عن مكافحة هذه الامارة او اقتحامها وانهائها.
وحسب المعلومات ايضا فان ما تأكد من اتصالات وضلوع لهذه البؤرة في جريمة جبل محسن كان قد سبقه معلومات مماثلة بالنسبة لعمليات ارهابية اخرى اي ان هذا الاكتشاف اليوم ليس الاول من نوعه.
وتقول مصادر مطلعة ان بعض السجناء في هذا «الجناح» استحصلوا على اسلحة فردية في فترات متفاوتة ومارسوا انواعا عديدة من سلطتهم حيث نفذوا حكما بأحد السجناء وفقا لقواعدهم وشريعتهم.
كل ذلك كان يحصل على مدى الفترة الطويلة التي بدأت قبل هذه الحكومة وامتدت الى يومنا هذا. ولعلّ ابلغ دليل على تقصير الدولة هو ما تنقله المصادر حول الاجهزة التي اشترتها الدولة بمبالغ باهظة للمكافحة والتشويش ووقف التخابر الخليوي والتواصل بواسطة الانترنت بين السجناء والخارج والتي لم تشغّل رغم جهوزيتها حتى يوم امس.
وتضيف المصادر ان وزير الاتصالات بطرس حرب كان ابلغ السلطات المعنية ان المعدات جاهزة للعمل وان الوزارة تنتظر الضوء الاخضر لتشغيلها لكن الجواب يومها كان انه ليس هناك جهوزية لتنفيذ خطة انهاء هذه المشكلة وانه يجري العمل لتحقيق ذلك وتفادي اية مضاعفات للعملية المتكاملة لإنهائها.
ويومها ايضا اكد وزير الاتصالات ان الوزارة جاهزة بكبسة زر لتعطيل كل عمليات التواصل الهاتفي وبواسطة الانترنت بين السجناء والخارج.
وبعد هذا الانتظار الطويل وهذه المعاناة جاءت جريمة جبل محسن وتداعياتها لتشكل الضوء الاخضر للعملية الامنية التي اشرف عليها الوزير المشنوق مباشرة ضد هذه البؤرة الارهابية في سجن روميه والتي ترافقت مع تشغيل هذه الاجهزة.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا نفذت العملية امس ولم تنفذ قبل ذلك بكثير؟
بعض الجواب جاء على لسان وزير الداخلية في مؤتمره الصحافي امس عندما قال انه عندما توافرت الارادة السياسية والقرار فان القدرة والبطولة عند قوى الامني بالتعاون مع الجيش موجودة وتنفذ كل ما يطلب منها في وجه القوى غير الشرعية ايا كانت هذه القوى.
ووفقا لمصادر سياسية بارزة ان مجزرة جبل محسن ساهمت بتسريع تنفيذ هذه العملية لكن العامل الاساسي الذي ادى الى حصولها هو المناخ السياسي الذي انتجه النهج الحواري القائم والذي وفّر القرار لتغطية هذه الخطوة بعد ان غاب طيلة الفترة الماضية.
وتضيف بأن خطّة انهاء غرفة العمليات الارهابية في سجن رومية هي جزء بشكل او بآخر من نتائج الجلسة الحوارية الثانية التي جرت بين حزب الله وتيار المستقبل والتي يفترض ان تكون من ضمن الخطة الامنية الشاملة التي تلحظ كل المناطق دون استثناء وتطاول كل المظاهر التي تساهم في تأجيج التوتر وضرب الامن والاستقرار في البلاد.
وتشير ايضا الى ان موقف ابناء جبل محسن وردود فعل ابناء طرابلس والقوى السياسية وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري شكل حافزا وخلق الارضية المناسبة للعملية الامنية في سجن رومية والخطوات الامنية المرتقبة.