Site icon IMLebanon

قصة الخلوة من مدخل الحوار الى مخرج الترقيات  

لم تَكدْ تمضي دقائق على انتهاء جولة الحوار الثامنة عشرة التي عُقدت في 15 أيلول الفائت في عين التينة بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» حتى سارع وزير المال علي حسن خليل، المشارك الدائم في هذا الحوار، على جري عادته، إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي لإطلاعه على نتائج الاجتماع.

بدأ خليل «من الآخر»، أي من النقطة الوحيدة التي ظهرت فيها بداية تقاطع بين موقفي «المستقبل» و»حزب الله» حول ملف الترقيات العسكرية، والتي وإن خلت من توافق محدّد بين الجانبين، رَسَت على تفاهم قوامه الطلب من رئيس المجلس إيجاد مخرج لهذا الملفّ بما يجنّب البلاد مزيداً من التعطيل ولا سيّما على مستوى الحكومة.

كعادته.. التقط برّي «اللحظة». رأى فيها بصيص نور في النفق المظلم، وفرصة لتثمير طاولة الحوار بين رؤساء الكتل النيابية التي كان دعا إليها، بعد أسبوع من موعد هذه الجولة (22 أيلول 2015)، فكانت فكرة الدعوة إلى خلوة على هامش طاولة الحوار يدعو إليها «صاحبي الطلب»، أي «المستقبل» و»حزب الله»، ورئيس الحكومة تمام سلام بطبيعة الحال، ورئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون باعتباره المعنّي الأساسي بملف الترقيات، ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بوصفه الساعي الأساسي لحلّ هذه العقدة، والناشط الدائم مع رئيس المجلس في عمليات نزع الألغام من أمام العقد الحكومية.

كما رأى برّي في هذه «الفرصة» مفتاحاً لعودة الحكومة إلى نشاطها المعتاد ولفتح أبواب المجلس النيابي أمام التشريع، فكانت فكرة صياغة ورقة تتضمّن هذه العناوين مجتمعة، خصوصاً بعد أن كان تلقّى أكثر من إشارة مفادها إمكانية عودة الحياة إلى المجلس والحكومة معاً في حال إقرار ملف الترقيات.

لكن رئيس المجلس الذي اعتاد على الخيبات جراء تسرّب الأفكار والمبادرات «نام» على الفكرتين معاً، الخلوة والورقة، في محاولة منه لتأمين ظروف النجاح لهما، ولم يطلع أحداً من أركان الحوار على ما ينوي فعله إلا النائب جنبلاط الذي طالما «تواطأ» معه على هذا النوع من المبادرات.

انعقدت طاولة الحوار. ناقش المتحاورون بند الرئاسة ومواصفات الرئيس من دون أن يسجّل أي تقدّم ملموس. هَمَّ الجميع الى مغادرة القاعة وفي مقدمّهم النائب عون، فسارع الرئيس برّي إليه ودعاه الى خلوة جانبية لمناقشة الترقيات، تماماً كما دعا الآخرين الذين شاركوا في الخلوة.

انتهت الخلوة من دون اتفاق، وسرعان ما سرّبت الورقة التي نوقشت خلالها إلى الزميلة «السفير» وفيها فقرة لم ترِد أصلاً في ورقة برّي، وهي المتعلّقة بتعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي. اثنان اعتبرا أن في الأمر «شبهة» أكيدة، الأول الرئيس برّي لأنه قرأ فقرة جديدة أضيفت إلى نصّه ومن دون علمه، والثاني النائب عون الذي اعتبر أن ثمّة «مقايضة» تُطرح عليه عبر وسائل الإعلام وهو ليس في وارد القبول بها.

سارع أحد الوزراء إلى عين التينة مستفسراً عن خلفية ما حصل وما إذا كان ثمة قرار من أحد الأطراف بتفجير الحوار وبالتالي تفجير البلد، ففوجئ ببرودة من رئيس المجلس الذي كان اكتشف لتوّه هويّة من سرّب الفقرة و»نياته الحسنة» من وراء هذا التسريب بخلاف ما ظنّ كثيرون في بداية الأمر، بما في ذلك برّي نفسه.

وأكد الرئيس بريّ أمام زائره أن التسريب أساء إلى المساعي الجارية لمعالجة ملف الترقيات لكنه تأكد من أن خلفية هذا التسريب لم تكن بقصد الإساءة وإنما لأسباب أخرى لم يذكرها. وتابع موضحاً: «أنا من وضع بنود الورقة ولم آتِ على ذكر تعيين مدير عام لقوى الأمن الداخلي، فالورقة تتضمن ثمانية بنود وليس تسعة. أما بالنسبة إلى احتجاج رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل وغيره من أركان الحوار على عدم إشراكهم في الخلوة فلم أكن في وارد استبعاد أحد أو الإساءة إلى أحد، بالعكس تماماً، وأنا متّهم أساساً بالشيخ سامي (بتقديره له) ولا يمكن أن أسيء إليه أو إلى غيره».

أضاف برّي: «كنت أعتقد أن المسألة يمكن أن تُحلّ في عشر دقائق ولا داعي لتوسيع البيكار، طالما أن «المستقبل» و»حزب الله» هما من طلبا المبادرة، وطالما أن عون موافق أصلاً عليها بوصفها مطلبه، لكن ما جرى أن النقاش توسعّ وحصل ما حصل، وسُمّيت في الإعلام خلوة واحتج المحتجون».

في كل الأحوال تجاوز رئيس المجلس ما جرى مركّزاً مساعيه في اليومين الماضيين على تحضير الجولة المقبلة من الحوار وعلى ما يمكن أن يوازيها من خلوات ثنائية أو ثلاثية أو رباعية أو غيرها. لكن هل ثمة ما يضمن نجاح الجولة الثانية، أو ما يمنع تكرار اصطدامها بمطبات من هنا أو أخرى من هناك، سأل الوزير الزائر؟

أجاب رئيس المجلس بمختصر مفيد أن أحداً لا يستطيع تحمّل مسؤولية فشل الحوار لأنه «الطاقة» الوحيدة المتبقية بعد الشغور الرئاسي وتعطيل مجلسي النواب والوزراء: «حتى أهالي العسكريين المحتجزين يراهنون على طاولة الحوار لأنها الملجأ الوحيد القادر على معالجة أي ملفّ. أما محاولة البعض رسم جدار أولويات في وجه هذه الطاولة من نوع الإصرار على بتّ بند الرئاسة قبل مناقشة أي بند آخر فهو موقف حقّ وأنا تعاملت مع هذا البند كأولوية في جدول الأعمال، والكلّ يعلم أن كل البنود التالية لا يمكن معالجتها قبل انتخاب رئيس، لكن لا داعي لشروط مسبقة للحوار تفتح الباب أمام شروط مضادّة، فتصبح كمن يطلق النار على رجليه..».