Site icon IMLebanon

قصّة كواليس إتِّفاق وقف النار السوري

حصَلت «الجمهورية» على معطيات عمّا دار في كواليس التفاوض الذي حصَل في تركيا وأفضى إلى إعلان وقفِ إطلاق النار الحالي في سوريا. ماذا في التفاصيل؟ وما هي أهمّ الإشكالات التي واجهت المفاوضات؟ وضمن أيّ رؤية تمّ حلّها؟

إتفاق وقفِ إطلاق النار الشامل، هو جزء من اتفاق روسي ـ تركي، ذي شقّين، أوّلهما عسكري والثاني سياسي. وهو يتكوّن من ثلاث أوراق تفصيلة، الأولى خاصة بوقف إطلاق النار، والثانية تتضمَّن حزمةَ إجراءات حول آليات مراقبة وقفِ النار، والثالثة سياسية تتعلّق ببيان عن استعداد الأطراف لبدء مفاوضات سلام.

بدأت المفاوضات منذ نحو شهرين في أنقرة وبرعاية تركيّة بين ضبّاط روس وممثّلي 7 فصائل سوريّة معارضة ينضوي في إطارها نحو ثلثَي مجمل عدد مقاتلي المعارضة السورية، وتسيطر على الجزء الأكبر من أراضي المعارضة في شمال سوريا ووسطها.

يومَي الأربعاء والثلثاء الماضيين تكثّفَت الاتصالات بين فصائل المعارضة المشاركة في التفاوض، وذلك تحت رعاية تركيّة، بغية بلوَرة موقفِها النهائي استناداً إلى جولات الحوار السابقة مع الروس في تركيا، ووضع سقف سياسي لموقفها الجامع الذي يُحدّد أقصى ما تستطيع التنازل عنه.

وبالنتيجة قدّمت المعارضة لأنقرة وثيقةً من سبعة بنود، أبرزُها، أن يكون وقفُ إطلاق النار شاملاً، ولا يستثني أيّ منطقة من «الأرض» التي تسيطر عليها، عدا مناطق «داعش»، ولا يحيّد أيّ فصيل موجود على أراضيها (والمقصود هنا «جبهة النصرة»).

فاوضَت أنقرة موسكو حول هذين المطلبَين، وعلّلت مطلبَ المعارضة بأنه لا يعني عدمَ موافقتها على عزل «النصرة»، ولكنّها تخشى أن يقوم الروس والنظام وحلفاؤهما بضرب مناطقها تحت حجّة أنّ «النصرة» توجد فيها.

وتوصّلت موسكو وأنقرة إلى تفاهم على عدم مهاجمة «النصرة» الموجودة في مناطق المعارضة الموقّعة اتّفاقَ وقفِ إطلاق النار (كإدلب والغوطة والتل)، مع التأكيد أنّ ذلك لا يعطي «النصرة» صكّ براءة بأنّها غير إرهابية ويجب ضربُها في الوقت المناسب.

وبحسب متابعين فإنّ هذا التوافق الروسي ـ التركي يريد الإشارةَ إلى أنّ وقف النار في هذه المرحلة سيَعني الحفاظ على مواقع انتشار المعارضة والنظام في مناطقهم الراهنة، وتتكفّل روسيا بجعلِ حلفائها يحترمون وقفَ النار، وعدم التمدّد في اتّجاه مناطق المعارضة، في مقابل أن تتكفّل تركيا بالأمر نفسه بالنسبة إلى المعارضة.

والتفسير السياسي لهذا التوافق يعني «تجميد الجبهات» وفق خرائطها الراهنة، الأمر الذي يتضمّن اعترافاً ضمنياً تركيّاً وروسيّاً بتأمين توازن للقوى بين المعارضة والنظام على الأرض، واعتبارَ أنّ كسرَه مجدّداً لمصلحة النظام كما حصَل في معركة حلب، لن يتكرّر في حال التزمَت المعارضة فعلاً توقيعَها وقفَ النار وذهبَت الى مفاوضات أستانا.

وهذا أمرٌ يَخدم شرطاً لدى المعارضة، يرى أنه لن يكون في مقدروها الذهاب الى المفاوضات في ظلّ ميزان قوى مكسور في الميدان يميل بكامله لمصلحة النظام. وبدا لافتاً بعد إعلان وقف النار، تصريحُ الرئاسة التركية الذي أكّد أنّ الفصائل المدرَجة على لائحة مجلس الأمن الإرهابية، وبينها «النصرة»، مستثناة من وقفِ النار. وهذا تصريح تريده موسكو لتفسير أنّ اتّفاقها مع تركيا لم يستثنِ «النصرة» منظمة إرهابية.

تضمّنت أيضاً وثيقة المعارضة التي قدّمت لتركيا لتسويقها لدى روسيا، بنوداً إشكاليةً أخرى، من نوع مَن هي مرجعيات ضمانِ تنفيذ وقفِ النار وحسنِ سير عملية السلام. ونجَحت أنقرة وموسكو في صوغ حلول لهذه الإشكالات: حول الإشكالية الأولى اتّفقتا على أن تكون تركيا ضامناً لتنفيذ اتّفاق وقفِ النار في مناطق المعارضة ولدى أطرافها، وكذلك الحال بالنسبة إلى روسيا في مناطق النظام وحلفائه.

أمّا الإشكالية الثانية الأكثر تعقيداً والمتعلقة بإعداد الورقة السياسية حول المفاوضات السورية ـ السورية وضمانات تنفيذها، فقد وضِعت ورقة داخل اتفاق وقفِ النار، سُمّيت، بحسب معلومات لـ«الجمهورية» بـ«وثيقة اتفاق لتشكيل وفد المعارضة السورية» إلى مفاوضات أستانا، ومن ثمّ الى جنيف في الثامن من الشهر المقبل في حال تحقّق اقتراح ستيفان دي ميستورا.

تمتاز هذه الورقة بأنها وضَعت مواعيد زمنية لتحقيق كلّ بند فيها، فاتّفاق وقفِ النار يستمرّ اختباره لمدة شهر، من منتصف 29 الشهر الجاري وحتى 29 من الشهر المقبل، وبعده تبدأ عملية تشكيل الوفد السوري المعارض، وتمّ أيضاً تحديد الفترة الزمنية التي يجب ان تستغرقها، كذلك تمّ تحديد موعد انعقاد مؤتمر أستانا.

وتَجدر الإشارة إلى مسوّدة هذه الورقة المسمّاة «وثيقة اتّفاق لتشكيل الوفد المعارضة السورية»، وزّعت على فصائل المعارضة المشاركة في التفاوض مع الروس في تركيا، وهي خالية من تحديد الأزمنة لكلّ خطوة فيها. كما أنّ الفصائل لم تحصل على أيّ نسخة من الاتّفاق التركي ـ الروسي الخاص بوقف نار شامل في سوريا وبدء مفاوضات سلمية في أستانا!

علماً أنّ أوساط متابعة كشَفت أنّ الاتّفاق الأخير ينصّ على ثلاثة مبادئ أساسية:

أ ـ عدم قيام أيّ كونفيدرالية في شمال سوريا.

ب ـ الاتفاق على خلوّ وفدِ المعارضة إلى أستانة من ممثّلي لجان الحماية الكردية.

ج ـ إنسحاب القوى الأجنبية من سوريا، بمن فيها الجيش التركي، بعد تثبيت وقفِ النار وتقدّمِ العملية السياسية.

وضمن هذا الإطار يُعتبر تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداده لبدءِ سحبِ قوّاته من سوريا، بمثابة رسالة إلى كلّ القوى الأجنبية في سوريا عن أنّ الحلّ الحالي الذي تسير به أنقرة وموسكو، يتضمّن هذه النقطة. تضيف هذه المعلومات أنّ موسكو وتركيا اتّفقتا على أنّ مصير القوات الأجنبية في سوريا، وضمنها «المهاجرون المجاهدون» سيطبّق عليهم ترتيبات خطة البوسنة نفسها التي اعتَمدت تقنينَ وجودهم ومن ثمّ طردهم.

هل يطبَّق وقفُ النار التركي ـ الروسي في سوريا، رغم غموض بعض بنوده، وسرّية بنود أخرى فيه؟ وهل سيكون قادراً على إقناع إيران من جهة وواشنطن ودول الخليج وفصائل أخرى من جهة ثانية بكلّ بنوده؟

هذه الأسئلة هي أبرز الأسباب التي دفَعت مراقبين إلى تسميته بأنه «إتفاق هشّ ويحتاج إلى صيانة».