من اليوم وحتى الثلاثين من الشهر الجاري، موعد الجلسة المقبلة لطاولة الحوار، هل تكون القلوب الملآنة قد هدأت لمعاودة الحوار بطريقةٍ أهدأ؟
الداعي إلى هذا السؤال هو الإشتباك الكلامي غير المسبوق بين حليفَي الأمس التيار الوطني الحر وتيار المردة، والذي استُخِدمت فيه كلُّ أنواع المصطلحات التي من شأنها أن تُرسِّخ القطيعة بين الرابية وبنشعي، وجعلت أوساط الرابية تقول إنَّ سليمان فرنجيه فش خلقه… فأفرج عن بعض مكنوناته والمكبوتات… ولو من طرف واحد. فماذا حصل؟
منذ لقاء باريس بين الرئيس سعد الحريري والوزير سليمان فرنجيه، بدَّل الوزير فرنجيه مقعده، فلم يعد يجلس قرب العماد عون أو مَن يمثله على طاولة الحوار، بل أصبح يجلس في مواجهته وقرب حلفائه الجدد، الرئيس سعد الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة.
الكرسيان المتواجهتان تعكسان أيضاً قابلية المواجهة التي لا تحتاج إلا إلى شرارة صغيرة لتشتعل، وهذا ما حصل:
***
فبعدما طلب الشيخ سامي الجميل الكلام وتحدَّث عن الميثاقية، أخذ الكلام الوزير جبران باسيل ليقول موجِّهاً كلامه لمَن كانوا في السلطة بعد الطائف:
منذ عام 1990 وأنتم لا تراعون الميثاقية. إنكم تهمّشونا منذ ذلك الحين. لنعد إلى الناس لنرى أين الأكثرية الشعبية.
هنا اعتبر الوزير فرنجيه أنَّ هذا الكلام يستهدفه لأنَّ ما بعد الطائف جرى الإعتماد على مسيحيين لا يملكون حيثية تمثيلية، فلم يكتفِ بالرد بل بدأ بالقصف الكلامي معتمداً سقفاً عالياً في التصويب على الجنرال قائلاً:
ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه عام 1990 يتحمَّل تيارك وعمُّكَ مسؤوليته، فلو حصلت تسوية حينذاك لما كان أصاب المسيحيين إجحاف بحقوقهمِ، فمواقفكم هي التي أوصلت إلى إقرار دستور الطائف وأسفرت عن انتزاع جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية ومن بينها قدرته على حلّ مجلس النواب.
وتابع فرنجيه غاضباً، بحسب ما نقل أحد أركان الحوار الدقيق الملاحظة:
منذ العام 2005 وأنتم في السلطة فماذا فعلتم سوى أنكم تشاركون في الحكم وتتصرفون كمعارضة؟
وأضاف:
أما بالنسبة لمسألة التمثيل الشعبي فنحن موجودون قبلكم ومعكم وسنبقى موجودين بعدكم إلا إذا كنتم تعتقدون أنّ اتفاقكم مع القوات اللبنانية يستطيع إلغاء الآخرين.
وهنا أتبعَ فرنجيه قنبلته الأولى بقنبلةٍ ثانية قائلاً:
إنّ شركة الإحصاءات التي منحتكم ٨٦% من تمثيل المسيحيين هي نفسها كانت قد منحت إميل لحود أكثرية شعبية أيام التمديد لولايته مع العلم أنّ أكثرية اللبنانيين لم يكونوا يؤيدونه.
توقَّف فرنجيه عن الكلام المباح، نظر إليه الوزير باسيل بنصف ابتسامة وبصمت كامل، دام الصمت ثلاثين ثانية حَسِبها الحاضرون دهراً، ولم يُعلِّق أحدٌ لكن الوجوم على الوجوه أعطى مؤشراً إلى أنَّ الطريق قُطِعَت بين الرابية وبنشعي.
فَهِم الجميع المعادلة التالية:
فرنجيه لن ينسحب لعون مهما كان الثمن.
عون لن ينسحب لفرنجيه مهما كان الثمن.
فإما أن ينزلا إلى ساحة النجمة ولتنعقد الجلسة، وإما أنَّ التعطيل سيبقى إلى ما شاء المعطِّلون.
***
ما بعد جلسة الأربعاء لن يكون كما كان قبله، وسيرصد المعنيون من الآن فصاعداً المناوشات بين الرجلين والطرفين، فالتيار الوطني الحر لن يكتفي بالتصويب على فرنجيه، بل إن تصويبه الحقيقي سيكون على تيار المستقبل، صاحب الفضل في ترشيح فرنجيه، إطلاق النار هذا بدأ، ويقول مصدر في التيار الوطني الحر:
إن محاولات الرئيس الحريري للملمة البقايا، مع احترامنا للجميع، لن تجدي نفعاً لأن نسبة ٨٦% تعتبر إجماعاً في الديمقراطيات.
***
إنفجرت، فماذا بعد الإنفجار؟.