اغتيال القنطار يقتحم النقاش الرئاسي
قصة زيارة آذارية إلى عقل «حزب الله»!
اقتحم اغتيال المناضل سمير القنطار جدول الاعمال الداخلي الذي كان مستغرقا في ملفَّي الرئاسة والنفايات، وفرض ذاته حدثا فوق العادة، من شأنه ان يرخي بظلاله على المشهد اللبناني وربما الاقليمي، خلال الايام المقبلة، لما ينطوي عليه استشهاد القنطار، في الزمان والمكان، من دلالات وأبعاد على مستوى الصراع الكبير في المنطقة.
وإذا كان وهج الاستحقاق الرئاسي سيتراجع لبعض الوقت، بفعل تداعيات الاغتيال من جهة ومناخ الاعياد من جهة أخرى، إلا ان ذلك لن يمنع المنغمسين في الشأن الرئاسي، من الاستمرار في إجراء تمارين الرياضة الذهنية، سعيا الى فهم ما يجري وما يمكن ان يحدث ربطا بمبادرة الرئيس سعد الحريري الى طرح اسم النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية.
وفي إطار هذه التمارين، غامر قيادي من مسيحيي فريق «14 آذار» في سبر أغوار عقل «حزب الله»، على طريقة هذا القيادي الذي استنتج بعد «رحلته» ان الحزب ينظر الى رئاسة الجمهورية باعتبارها جزءا من مسار متكامل واستراتيجية شاملة، وليس كملف قائم بحد ذاته، لافتا الانتباه الى ان الحزب يقارب الرئاسة من زاوية ما يمكن ان تضيفه الى مشروعه العام الذي يندرج لبنان في سياقه، ولا يشكل جوهره، وبالتالي فان الحزب يتعامل مع الاستحقاق المؤجل في إطار معركة مشروع لا معركة سلطة.
ويعتبر القيادي المنتمي الى أحد أجنحة الصقور في «14 آذار» انه وخلافا للانطباع السائد لدى من يفترض ان الحزب يفضل ضمنا فرنجية، فان خيار الحزب الحقيقي والجذري على مستوى رئاسة الجمهورية هو العماد ميشال عون الذي استطاع ان يُجيّر للحزب منذ عام 2005 غطاء مسيحيا واسعا كان حتى ما قبل هذا التاريخ يُصنف في خانة المستحيلات السياسية، كونه يتعارض مع المسار التقليدي والتاريخي للمكوّن المسيحي في لبنان.
ويشير الى انه ليس دقيقا ان الحزب محرج حيال عون الذي يشكل مرشحه الفعلي للرئاسة، بل هو محرج حيال فرنجية الذي لا يلبي وصوله الى قصر بعبدا حاجة الحزب في هذه المرحلة وهي المحافظة على عمقه المسيحي من جزين الى عكار، وربما امتدادا حتى المشرق ايضا.
ويفترض القيادي البارز في أحد الاحزاب المسيحية ان النجاح الذي حققه «حزب الله» وحلفاؤه الاقليميون في استقطاب عون وبيئته الى خطهم الاستراتيجي هو إنجاز ورصيد لن يُفرط الحزب بهما بسهولة، في حين ان وجود فرنجية ضمن هذا الخط هو وجود طبيعي ولا ينطوي على قيمة مسيحية مضافة كتلك التي يمثلها الجنرال الآتي من موقع آخر.
ويعرب القيادي عن اعتقاده بأن الحزب لا ينطلق في موقفه الداعم لعون من خصوصية الرئاسة فقط، وإنما يربطه ايضا بالتوازنات اللاحقة التي ستتحكم بتشكيل الحكومة والانتخابات النيابية، والاكيد ان الحزب يعرف أهمية المحافظة على التحالف مع الرابية لحماية الأسهم التي يملكها مشروعه في السلطة، والسعي الى زيادتها.
ويلفت القيادي المسيحي في «14 آذار» الانتباه الى ان الجنرال خفف بخطابه الهجومي وخياراته الاستراتيجية الكثير من الاعباء على الحزب في الداخل، وناب عنه في مواجهة الخصوم الداخليين المشتركين في العديد من المحطات، متوليا إسناده بالمدفعية السياسية البعيدة المدى، الامر الذي سمح للحزب بالذهاب بعيدا في معاركه الاقليمية وهو مطمئن الى ان خط ظهره محمي.
وفي حين كان الكثيرون في قوى «14 آذار» يجزمون سابقا بان حزب الله يناور في دعم ترشيح عون، وان مرشحه الحقيقي في لحظة الحقيقة لن يكون الجنرال، يعتبر القيادي المسيحي ان هذا الكلام كان يُطلق إما من باب التكتكة السياسية وإما من باب عدم المعرفة الوافية بنمط التفكير لدى الحزب، مشيرا الى ان من يعتقد ان تأييده لعون مجرد تكتيك او مجاملة هو مخطئ.
ويذهب القيادي ذاته في تقديراته الى حد التوقع بان عون لن يتراجع عن ترشيحه طالما يتنفس، وان الحزب لن يتزحزح عن دعمه طالما استمر في ترشيحه، وهذه معادلة ثابتة يجب الانطلاق منها في تحديد الاحتمالات.
ويعرب عن اعتقاده بأن التسوية المفترضة لن تنجز سريعا، كما يتوهم البعض، مؤكدا ان المطلوب تسوية تعالج الازمة في عقمها وشموليتها ولا تنحصر في تقاسم السلطة من خلال الاكتفاء بالاتفاق على هوية من سيتولي رئاستي الجمهورية والحكومة، بينما الاولوية يجب ان تكون للتفاهم على حد أدنى من القواسم السياسية المشتركة.
وعندما يقال للقيادي المسيحي في «14 آذار»: ماذا لو مضى الحريري في ترشيح فرنجية حتى النهاية وبادر الى الاعلان رسميا عن تأييده، وهل يمكن في هذه الحال ان يرشح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الجنرال ليعيد خلط الاوراق؟ يجيب: وفق معلوماتي، هذه الورقة لن يكشف عنها جعجع قبل الأوان.. انه سؤال «من سيربح المليون»، والجواب النهائي سيكون في الوقت المناسب، وليس قبله.