Site icon IMLebanon

توتُّر تركي – إيراني.. مَن يتراجع أوّلاً؟

الإتهامات التي وجّهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود جاويش أوغلو لإيران بمحاولة زعزعة إستقرار المنطقة والسعي للتوسّع الفارسي ونشر التشيّع في سوريا والعراق، أغضبت القيادة الإيرانية وكان ردّها سريعاً ومن العيار نفسه تقريباً.

طهران إستدعت السفير التركي في طهران رضا هاقان تكين لإبلاغه بالاحتجاجات وبأنّ للصبر الإيراني حدوداً تجاه «المهاترات التركية». لكن المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي ذهب وراء ما هو أبعد من ذلك بقوله إنّ «الأوضاع غير المستقرّة في تركيا تسبّبت بنشوء سلوك غير طبيعي لدى مسؤوليها، وأنّ هذا السلوك ناتجٌ غالباً عن الغضب من الوقوع في مأزق ما، بسبب المشكلات الداخلية والخارجية التي تعاني منها هذه الدولة».

ورفض أردوغان من الخليج توجّهات إيران من دون تسميتها «لتقسيم سوريا والعراق»، ودعا لعدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الظلم الحاصل هناك. ووزير خارجيته جاويش أوغلو قال من ميونيخ على هامش مؤتمر الأمن الدولي، إنّ «الدور الإيراني في المنطقة يُزعزع الاستقرار، خصوصاً أنّ طهران تسعى لنشر التشيّع في سوريا والعراق».

المواقف التركية الأخيرة حيال إيران جاءت خلال الجولة الخليجية التي كان قام بها الرئيس التركي الأسبوع المنصرم. إذاً هي مدروسة متعمّدة مقصودة وليست زلّة لسان خصوصاً وأنّ المتحدث باسم الخارجية التركية حسين مفتي أوغلو، دعا الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ خطوات بنّاءة وإعادة مراجعة سياساتها الاقليمية ردّاً على التصعيد السياسي الإيراني.

هل ستستمرّ تركيا في رسائلها لإيران أم أنّها ستنتهج في «سلوكياتها ذكاءً وحكمةً أكبر، ولا تتكرّر هذه التصريحات» كما تريد القيادة الإيرانية؟

طهران ترى أنّ ما قالته القيادات السياسية التركية «جاءت متأثرة بالمناخ والأجواء التي كانت موجودة»، هي تقصد وجود أردوغان في الخليج ومشاركة جاويش أوغلو في قمّة الأمن الدولية. إذاً هي على قناعة أنّها ظرفيّة موقتة تندرج في إطار الحسابات الضيقة، فلماذا إختارت التصعيد ضدّ أنقرة على هذا النحو إذاً؟

الذي أغضب إيران قد تكون: الجولة الخليجية الناجحة لأردوغان إلى البحرين والسعودية وقطر التي تُوِّجت بتفاهم وتنسيق استراتيجي ثنائي وإقليمي واسع. أو ربّما ما سبقها من تطبيع تركي – إماراتي كامل تُوِّج بزيارة رئيس الأركان التركي خلوصي أكار إلى الإمارة وإعلان زيادة التنسيق العسكري بين البلدين.

أو ربّما فشلها في إيصال ما تريد قوله للقيادات الخليجية بعد ساعات فقط على مغادرة الرئيس التركي وتحرّك الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى الكويت وسلطنة عمان لتقديم العروض والاقتراحات للعواصم الخليجية التي لم تلقَ أذاناً صاغية على ما يبدو.

أو ربّما العودة الأميركية السريعة إلى المشهد الإقليمي ورسائل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإيرانية، ثمّ الاتصالات المكوكية التركية – الأميركية التي تتقدّم نحو التنسيق الاستراتيجي في الملف السوري ومعركة الرقة التي قد تقلب حسابات طهران السورية رأساً على عقب.

إيران لا تريد أن ترى المشهد بنظارات عربية تركية:

– عواصم عربية وإسلامية تحت النفوذ الإيراني العسكري العقائدي.

– إيران في العراق وسوريا وأفغانستان ولبنان مذهبياً.

– صواريخها تحلّق في أجواء الخليج عبر حلفائها الحوثيين في اليمن.

– هي تتحدى الجميع بتمسّكها في سباق التسلّح وتعزيز قدراتها النووية.

– إستفادت إلى أبعد الحدود من الغزل الأميركي مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهي تريد أن تستقوي بروسيا في حماية مصالحها السورية.

– تجربة إيران لصاروخ متوسّط المدى قادر على حمل رأس نووي كان ربّما القشة الحاسمة في ظهور التوتّر التركي – الإيراني وتفاقمه إلى هذا المستوى من التدهور والتردّي.

هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها أردوغان عن تهديدات إيران ولغة القوميات في المنطقة ووجوب التصدّي لها. مَن الذي سيتراجع في مواقفه وسياساته وأسلوبه. بعض الوقت ربّما قد يساعدنا على الإجابة حول ما إذا كانت إيران ستعود إلى دورها الطبيعي البعيد من التمدّد بالقوة العسكرية والإصرار على تصدير مجموعاتها الثورية والعقائدية إلى دول الجوار والانشغال بشؤونها الداخلية.

تخلّي طهران عن لعب أوراق خاسرة هو الذي قد يفتح الأبواب أمامها للقبول في المنطقة وغير ذلك سيكون التوجّه الإقليمي المشترَك للتنسيق في مواجهة حالات التوتّر والشرذمة التي تزرعها إيران في المنطقة.

أصوات إيرانية كانت تقول «تركيا أدركت أنّ المغامرة في سوريا قد انتهت، لذلك التزمت بعدم التقدّم نحو الباب»، وتركيا: «ستذهب زحفاً نحو طهران طلباً لإنقاذها من ورطتها في سوريا». العكس هو الذي سيحدث ربما. هناك محاولات إيرانية للتشويش على التفاهم الروسي – التركي، وربّما الأميركي لاحقاً. دورُ موسكو في ايقاف إيران عند حدّها مهمّ هنا.

عادي جداً أن يحصل كلّ هذا التوتر التركي – الإيراني بعد تزايد خطوات التباعد والتناقض في المواقف الإقليمية. لا بل هو يأتي متأخّراً جدّاً. هل سيتحوّل إلى مواجهة مباشرة؟ هذا مرتبط بالرغبة الإيرانية التي ستزيد من التصعيد حتماً لأنّ الأتراك يساهمون في تضييق الخناق عليها ومحاصرتها بسياستها الخاطئة وبناء تحالفات وتفاهمات قد ترتدّ عليها.