Site icon IMLebanon

لبنان في ظل البحث عن توازن استراتيجي بين إيران وإسرائيل

 

 

شكّل الهجوم الذي شنته ايران على اسرائيل ليل 14 نيسان الماضي بداية مرحلة جديدة في المواجهة الاستراتيجية بين الدولتين. اعتمدت ايران لسنوات عديدة في استراتيجيتها لمواجهة التهديدات الاسرائيلية اسلوب المواجهة غير المباشرة من خلال دفع حلفائها واذرعتها المسلحة الى الرد على الهجمات الاسرائيلية لتهديد مواقع التواجد الايراني في مختلف مسارح الاقليم او داخل ايران نفسها.

كانت الحرب داخل سوريا التي اندلعت عام 2011 بمثابة فرصة مؤاتية لتدخل ايراني عسكري مباشر، ولقد سعت ايران خلال ما يزيد على عقد من الزمن على تقوية تواجدها العسكري داخل سوريا، سواء من خلال تدخل حليفها حزب الله وميليشيات اخرى او من خلال تدخل مباشر من قبل الحرس الثوري الايراني.

 

اثار التدخل الايراني المباشر هواجس امنية كبيرة لدى القيادات الاسرائيلية على اساس بأن حدودها مع لبنان والجولان باتت مفتوحة لشن هجمات ايرانية ضدها، وكانت «حرب الظل» بين ايران واسرائيل قد بدأت في عام 2010، وقد اتخذت الى جانب مسعى ايران لامتلاك السلاح النووي، طابع المواجهة المخابراتية، وتنفيذ مسلسل من عمليات التخريب والاغتيالات والهجمات السيبرانية، والتي كانت ابرزها هجوم «Stuxnet» والذي تسبب بتعطيل آلاف وحدات الطرد المركزي المستعملة في موقع «نطنز» قرب اصفهان.

بعد تكرار الهجمات الصاروخية الاسرائيلية ضد مواقع الحرس الثوري، وضد مواقع حلفاء ايران في سوريا، ومقتل عدد من كبار القادة، والذي كان آخره الهجوم على القنصلية الايرانية في دمشق والذي تسبب بمقتل احد قادة الحرس الكبار محمد رضا زاهدي وخمسة من معاونيه، قررت ايران التخلي عن «استراتيجية الصبر»، حيث ترافقت مع تصريحات ايرانية بالرد على الهجمات الاسرائيلية، دون اي ترجمة فعلية في ميدان المواجهة. بعد الهجوم على القنصلية قررت القيادة الايرانية اعتماد المواجهة المباشرة مع اسرائيل في محاولة خطيرة، وذلك بهدف التأكيد على تملكها لعامل الردع في مواجهة اسرائيل، ويبدو بأن القرار الايراني باعتماد الرد المباشر قد جاء نتيجة تجاوز اسرائيل لكل الخطوط الحمر، وبالتالي تهديد مصالح ايران الاستراتيجية سواء داخل ايران او في داخل بعض الدول العربية التي تتمتع ايران فيها بتواجد استراتيجي، كلفها جهوداً باهظة الاثمان على المستويين الزمني والمالي.

 

منذ حرب الخليج الاولى عام 1991 لم تتجرأ اية قوة اقليمية اطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل، وتعتبر ايران بان هجومها في 14 نيسان الماضي يشكل انجازاً استراتيجياً، وذلك بالرغم من نجاح اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وشركاء آخرين في اسقاط معظم الصواريخ والمسيّرات. وهذا ما دفع قائد الحرس الثوري حسين سلامي للتصريح بأن «ايران قد اعتمدت مقاربة جديدة في مواجهة الكيان الصهيوني، وستكون جاهزة للرد مباشرة على تهديداته من الآن وصاعداً».

تؤكد تصريحات المسؤولين الايرانيين على ان الجمهورية الاسلامية قد قررت استعادة التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل، وذلك بالرغم من التفوق الجوي والتقني الذي تملكه اسرائيل. وبأن طهران تعتمد هذه المواجهة الجديدة استناداً لشعورها بأنها باتت تمتلك الموارد الذاتية، بالاضافة للقدرات العسكرية التي تملكها اذرعتها في المنطقة، والدعم السياسي والدولي الذي تقدمه لها كل من روسيا والصين.

 

يبدو من تصريحات عدد من المسؤولين الايرانيين بأن طهران باتت واثقة من انتصار حلفائها في الحرب في غزة، وبأن هذه الحرب قد تسببت بتظهير الانقسامات العامودية في المجتمع الاسرائيلي، كما تسببت بتراجع الدعم الدولي لاسرائيل، وبأن كل هذه النتائج المؤاتية والداعمة لمحور المقاومة والممانعة، ستؤدي حتماً الى ولادة شرق اوسط جديد، تلعب فيه ايران دوراً محورياً ومتنامياً.

تعتبر وسائل الاعلام الايرانية المقرّبة من التيار المتشدد ومن الحرس الثوري بأن الهجوم الايراني الجوي سيترك اثاره على مختلف القيادات الاسرائيلية، كما انه سيؤدي الى نشوء نظام اقليمي جديد، وبأن ايران ستلعب دور اللاعب الاساسي في هذا النظام.

جاء الرد الاسرائيلي المحدود على الهجوم الايراني في 19 نيسان الماضي بمثابة قرار مشترك، رعته الولايات المتحدة، من اجل انهاء هذه المرحلة من المواجهة. لكن لا يعني ذلك اطلاقاً بأن المواجهة قد انتهت بين الطرفين، وهي مرشحة للانتقال الى مرحلة اكثر خطورة، تبدأ عندما تقرر طهران التخلي عن الضوابط الحالية لامتلاكها للسلاح النووي، وبالتالي تغيير عقيدتها النووية الراهنة.

ويبدو ومن تصريحات رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الايرانية كمال خرازي بأن «بلاده قد تغيّر عقيدتها في مسألة امتلاك السلاح النووي اذا تعرّضت للتهديد بالاسلحة النووية من قبل اسرائيل».

واضاف خرازي: «ان اسرائيل تمتلك الاسلحة النووية، وقد حصلت عليها بمساعدة الاوروبيين والاميركيين، وفي كل عام نطرح نحن ومصر فكرة انشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الجمعية العمومية للامم المتحدة، والحل في ان لا تمتلك اسرائيل هذه الاسلحة». وتكرر هذا الموقف الايراني من قبل احد مستشاري السيد علي خامنئي قبل يومين، حيث هدّد بأن «ايران ستعيد النظر في عقيدتها النووية اذا لم ينزع سلاح اسرائيل النووي». ويؤشر هذا التصريح، في رأينا دليلاً على نيّة ايران لتغيير عقيدتها النووية وللتحول بالتالي الى قوة نووية معلنة وفعلية.

تعتبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن امتلاك اي دولة كمية 48 كلغ يورانيوم مخصّب لدرجة 60 في المائة يضعها في خانة الترشيح لدخول النادي النووي. في هذا الوقت تمتلك ايران 121 كلغ من اليورانيوم المخصب 60 في المائة، وبما يؤهلها لصنع ثلاث قنابل نووية.

سيؤدي تطور المواجهة المباشرة بين طهران وتل ابيب، وعلى ضوء نتائج الحرب في غزة، بعد هذا التدخل المتواصل والكثيف لأذرعة ايران العسكرية في هذه الحرب، الى دفع ايران الى الاعلان عن برنامج لصنع القنبلة النووية، وخصوصاً في ظل توقف كل المحادثات لعودة الولايات المتحدة لاتفاق فيينا بين ايران والقوى الدولية (5+1).

ان اصرار ايران مؤخراً لاستعادة عامل الردع، والبحث عن توازن استراتيجي مع اسرائيل سيدفعها حتماً الى الاستمرار في تطوير قدراتها لانتاج الوقود النووي بدرجة 90 في المائة، وبما يدفعها لاعلان قرارها لبناء اول سلاح نووي، وتحقيق التوازن الاستراتيجي الحقيقي مع اسرائيل.

اما الخيار البديل لصنع القنبلة، فإنه يتمثل باعتماد ايران «للخيار الياباني» اي امتلاك القدرة فقط على صنع السلاح النووي في وقت قصير جداً. لكن يبقى عامل القوى الموازنة في استراتيجية ايران، صرف المزيد من الموارد لتقوية اذرعتها العسكرية في المنطقة، والمتمثلة بحزب الله والحوثيين والميليشيات العراقية. وهكذا سيبقى مصير لبنان معلقاً الى أن يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً.