ليس من شك في ان الاختبارات الصعبة الدقيقة والشاقة، تكمن للحكومة عند كل استحقاق، ولا يخفف من ذلك القول إنها »حكومة موقتة« لستة او لسبعة أشهر، تنتهي عند اجراء الانتخابات النيابية في حزيران المقبل..
لقد نجح المعنيون في صياغة بيان وزاري يحتاج هو بدوره الى »تسييل« والانتقال به من اطار النص علي الورق الى الممارسة على أرض الواقع، في ظل ظروف داخلية وخارجية (اقليمية ودولية) غير واضحة المعالم النهائية بعد..
يعتقد كثيرون، أنه وعلى الرغم من »الثقة الذهبية« التي حظيت بها الحكومة جراء التوافقات المسبقة، فإن مجموعة قضايا وملفات ستشكل امتحانا جاداً، وبكل معنى الكلمة لحكومة »استعادة الثقة«، وقد بادر الرئيس سعد الحريري الى الاشارة الى ذلك عند الحديث عن السلاح وهو قضية خلافية جوهرية، مؤكداً ان مثل هذا الموضوع، متروك للاستراتيجية الدفاعية..« جازماً بأن »هناك استراتيجية دفاعية ويجب ان نجلس ونتحاور في هذا الموضوع..«.
الحديث عن »الاستراتيجية الدفاعية« ليس جديداً.. وعديدون من القوى السياسية يرون في الاتفاق على هذه »الاستراتيجية« كان بهدف وضع السلاح »غير الشرعي« وفي مقدمه سلاح »حزب الله« الذي بات يعني له »وجود او لا وجود«؟! وهو بالنسبة اليه إحدى أبرز »المحرمات« لأن تخلي الحزب عن سلاحه، يعني انكشافه أمام أعدائه..
تستند »الاستراتيجية الدفاعية الى جملة قواعد من بينها تحديد الاصدقاء، والحق في الدفاع عن النفس وعن الارض، وتحديد الاعداء، والسعي لحشد الامكانات اللوجستية والثقافية – الوطنية والعلمية والسياسية في مواجهة الأعداء..
في قناعة عديدين ان الافرقاء اللبنانيين بوجه عام، غير متفقين على تحديد من هو »الصديق« ومن هو »العدو« وان كانوا في الظاهر يعتبرون الكيان الاسرائيلي هو العدو، لكنهم غير متفقين على كيفية المواجهة، وهل من حق، بل من واجب اللبنانيين حشد الطاقات في مواجهة هذا العدو؟ الذي لم يعد الوحيد يحظى بهذا الوصف، بعدما تمددت »الجماعات الارهابية – التكفيرية« التي تتلطى بالدين الاسلامي – المحمدي، وهو منها براء..
بديهي القول ان الحوار المطلوب حول الاستراتيجية الدفاعية، بين الرئيس سعد الحريري و»حزب الله« لن يكون سهلاً، ومن الصعب البناء عليه نتائج تخدم المطالبين بنزع سلاح الحزب، ولو طال الزمن.. خصوصاً وان لا »ورقة قوة« بيد رافضي السلاح.. خصوصاً وأن الجيش اللبناني، وعلى الرغم من التضحيات التي يقدمها في السهر على أمن الحدود وفي الداخل، لم يرقَ الى مستوى الجيوش المعززة بأحدث أنواع الأسلحة التي تؤهله ليقول لـ»حزب الله«: »دورك انتهى ولحد هون وبس«؟!
وبالعودة الى الوراء، فإن »المقاومة الشعبية« كانت نتاج ثلاث:
– الاول: عدو لا يرحم ولا حدود لأطماعه وعدوانيته
– الثانية: دولة ضعيفة وجيش غير مؤهل بامكاناته المتواضعة جداً لمواجهة هذا العدو (إسرائيل).
– ووعي وطني لافت ومتقدم عند الشعب وقوى سياسية اسهمت في اطلاق »المقاومة الوطنية«..
بعد الطائف كان القرار بأن تسلم الاحزاب كافة، التي هي في المقاومة، كما تلك التي في المقلب الآخر الى الدولة اللبنانية.. فكان ما كان بفعل قرار عربي نافذ. لكن ذلك استثنى »حزب الله« من هذه العملية، وبقي الوحيد الممسك بسلاحه وبراية المقاومة، وقد استطاع الحزب ان يقيم شبكة علاقات داخلية، كما خارجية اقليمية ودولية، وتحديداً مع ايران، ولم يراع الحزب المخاطر الناجمة عن ذلك، وهو الذي حصر العضوية فيه بأبناء الطائفة الشيعية..«. والجميع يذكر المواجهات، بل التعديات الدامية على احزاب »الحركة الوطنية« أيام قيادة الحزب السابقة للسيد حسن نصر الله..
ان تحول المقاومة الشعبية الى »شيعية« حصراً شكل حبلاً حول عنق المقاومة، التي باتت في نظر عديدين »دولة داخل الدولة« بل أقوى من الدول وبيدها قرار »السلم والحرب« والأخطر، ان هذه »المقاومة« (حزب الله) التي اختزل تمثيلها داخل الطائفة الشيعية باتت تتحرك، داخل لبنان وخارجه، باشارة من ايران على ما يقول عديدون.. وفي قناعة هؤلاء ان هناك سهمين اصابا المقاومة مقتلاً:
– التمذهب للطعن في تمثيلها الوطني الجامع.
– »الأدلجة« مع ايران للطعن في انتمائها الوطني والعربي.
الأمر الذي يفسر معنى ان يترك هذا الملف (السلاح) للاستراتيجية الدفاعية، عبر الحوار، هذا مع الاشارة الى ان أي »استراتيجية دفاعية« تقوم في أحد أبرز ركائزها على قاعدة تفكيك سلاح الحزب، وبالتالي تسليمه الى الدولة لن يكتب لها النجاح في هذه المرحلة، وذلك بانتظار مجموعة تطورات جذرية من بينها تعزيز قدرات الجيش اللبناني ليكون قادراً على مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية وتحرير ما تبقى من أرض لبنانية، وهذه مسألة موضوع عاد الى التداول مع الموفدين الأجانب، خصوصاً الفرنسيين، الذين شجعوا الرئيس العماد ميشال عون على زيارة المملكة العربية السعودية واعادة الحياة لهبة الثلاثة مليارات دولار.. من دون ان يعني ذلك، ربط العلاقة بين الرئيس الحريري وحزب الله »بمسألة السلاح، وأمام الحكومة العتيدة من المهمات ما يكفي لأن يتفرغ الجميع لاعداد قانون جديد للانتخابات النيابية واجراء هذه الانتخابات في موعدها.. ولانجاز الموازنة العامة لسنة 2017.
الواضح حتى الآن، ان الرئيس الحريري يظهر انفتاحاً واضحاً على الجميع، ويبدى استعداداً للتعاون الايجابي مع سائر القوى السياسية بما فيها »حزب الله«..