Site icon IMLebanon

الهوّة الاستراتيجيّة بين الجنرال والحكيم

بعيدا عن تلك الكوميديا الرثة، الساذجة، المملة، التي عنوانها « الاستحقاق الرئاسي»، من يفهم اي افق، واي خلفية، للتفاهم بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع؟

اذا كانت تلك الهوة بين الاثنين حول الملف السوري، وحيث رئيس حزب «القوات اللبنانية» يغرد داعياً المجتمع الدولي الى اسقاط نظام بشار الاسد، فيما رئيس تكتل التغيير و الاصلاح الذي علاقته وطيدة بدمشق يخشى من البديل كونه الخواء في ظل كل تلك الكمية من اللاعبين فوق الارض او على الارض او تحت الارض

اذا كانت تلك الهوة بين الاثنين حين يرى احدهما في سلاح «حزب الله» عاملا في تحصين لبنان، سواء من البربرية الجاثمة على ارضنا في الجنوب او من البربرية الجاثمة على ارضنا في الشرق» (وربما في عقر دارنا)، فيما يرى الاخر في هذا السلاح انتحارا للدولة في لبنان وللشعب في لبنان. اذا كانت تلك الهوة بين الحكيم و الجنرال حين يرى الاول في تنظيم الدولة الاسلامية «كذبة»، وربما فقاعة ايديولوجية، فيما يرى فيها الثاني الشر المستطير

حتما، نحن مع اعادة الدور المسيحي في لبنان، لا من بوابة دستور الجمهورية الاولى ولا من بوابة دستور الجمهورية الثانية. ثمة منزلة بين المنزلتين، ألا يكون رئيس الجمهورية الحاكم بأمره وألا يكون الباشكاتب في البلاط

الآن دور محوري للمسيحيين، واكثر من اي وقت آخر، ليس فقط لضبط الايقاع، وحيث التعبئة المذهبية في ذروتها. ايضا للمساعدة في ابتداع حلول للازمات، وفي انتاج ديموقراطية شفافة على تماس مع المقاربة الغربية للسلطة وللدولة، وان كان ثمة مسيحيون استساغوا النظرة المشرقية الى السلطة والى الدولة، فحلت ثقافة العراب محل ثقافة القديس، وثقافة الايدي الملطخة محل ثقافة الايدي النظيفة

الكثيرون هللوا للمصالحة المسيحية-المسيحية. لا احد يمكنه ان يكون ضد اي تفاهم داخلي ما دمنا نعيش اقصى حالات التصدع ان لم تكن اقصى حالات التفكك، ولكن ليس بترسيخ مفهوم الغيتو، وربما الوصول الى القانون الارثوذكسي الذي يعني خراب المسيحيين بل وخراب اللبنانيين

لا ندري كيف ان صديقنا الرئيس سليمان الفرزلي، ابن العائلة التي طالما حملت آلام القومية العربية وتجلياتها، يعمل على تسويق تلك البدعة على انها ذروة الابداع السياسي والدستوري. اي قيمة يا صديقنا العزيز للنائب المسيحي إن لم ينتخبه المسلمون واي قيمة للنائب المسلم ان لم ينتخبه المسيحيون؟ انت بالذات، ماذا تعني ان انتخبك الارثوذكس فقط؟

الجنرال والحكيم توافقا على رئاسة الجمهورية. مالنا والنقاط العشر، او الوصايا العشر، حمالة اوجه ولا تتعدى الكلاسيكيات السياسية التي تذروها الايام. هل يمكن للتفاهم، وفي هذه الظروف المصيرية الهائلة، ان يقتصر على ما يتردد حول ائتلاف في الانتخابات البلدية. ائتلاف كاسح بطبيعة الحال

كما لو ان الدكتور جعجع لم يقرأ تيار دوشاردان، وسواء كان في الصومعة او كان في الزنزانة، وكما لو ان العماد عون لم يقرأ موريس دوفرجيه، وسواء كان في المنفى ام في الثكنة. التفاهم بين الاثنين ينبغي الا يكون استنساخا لتجارب الاخرين، وحيث التعليب للناس، وحيث صناديق الاقتراع تتحول الى توابيت للديموقراطية

يكفينا وضع لليد على الطوائف الذي هو الوجه الاخر لوضع اليد على الدولة. حين كانت الاتصالات المكوكية شغالة بين الرابية ومعراب، قيل لنا انه بحث في الجمهورية لا في رئاسة الجمهورية. ماذا حدث بعد ذلك؟

علينا ان نقتنع بأن حفل الزفاف في معراب كان من اجل الجمهورية لا من اجل رئاسة الجمهورية. كان رد فعل على مبادرة الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجية قبل ان تتحول المبادرة الى فكرة على لسان الرئيس فؤاد السنيورة والى حركة تواصل على لسان الوزير نهاد المشنوق، والى محاولة تسوية من اكثر من وزير او نائب في تيار المستقبل. الرئيس الحريري قال «التزامنا النائب فرنجية واضح». أليس هذا المفهوم التقني، والفلسفي، للمبادرة

النائب احمد فتفت الذي بات شيشرون او ميترنيخ التيار، قال ان الاتفاق مع الجنرال سابع المستحيلات. لعله يقصد رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي. لماذا؟ لانه رهين المحور الايراني- السوري-الروسي. هل يتصور الدكتور فتفت انه اكثر عداء للمحور اياه من الدكتور جعجع؟

هل يتصور ايضا ان العماد اكثر تماهيا، واكثر عشقا لدمشق من رئيس تيار المردة الا اذا كان يعتقد ان بالامكان ترويض سليمان فرنجية ليصبح على شاكلة مصطفى علوش

المنطق يقول بتفعيل الدور المسيحي في لبنان الذي نقرّ كلنا انه كان حاجة مسيحية حين اعلن الجنرال هنري غورو دولة لبنان الكبير، وقبل ان تتغير الخريطة الديموغرافية، كماً ونوعاً، ولكن ليس بمنطق الغيتو، ولا بمنطق التجاذب الشكسبيري حول رئاسة الجمهورية

بين العماد الذي تليق به الرئاسة والحكيم الذي تليق به القداسة تبعا لاحد المطارنة، ثمة هوة استراتيجية حول مقاربة كل منهما للصراع في المنطقة، ولبنان جزء من هذا الصراع. التفاهم لحظة تكتيكية لا تأتي بالرئيس بل تقطع الطريق على رئيس اخر. اليس هذا ما فعله الدكتور جعجع حين اعلن ترشحه للرئاسة؟

قيل للجنرال هل تعتقد ان عزوف سليمان بيك عن الترشح يعني انتخابك تلقائيا؟ اللعبة لم تنته لا في الداخل ولا في الخارج حيث قرعوا الطبول وكأنه ايذان بقيام الساعة!