Site icon IMLebanon

«استراتيجية» الضغط على الحريري تنضج تسوية؟

كافة الاطراف السياسية، ودون تنسيق مسبق، رمت «الكرة» في «ملعب» رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي بات مطالبا بتقديم اجوبة واضحة حول الاستحقاق الرئاسي، فهل ستؤدي هذه الضغوط الى الانفراجة المنتظرة بعد العشرين من الجاري؟ ولماذا وجد رئيس الحكومة الاسبق نفسه في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه؟

اوساط 8 آذار لا تعول كثيرا على موقف «دراماتيكي» مفاجىء للحريري، ولكنها ترى ان كافة الاطراف لم تعد تملك اي خيار سوى وضعه امام مسؤولياته، بعد ان ورط الجميع بسبب تقلباته وتردده في حسم مواقفه، وحده رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لديه مصلحة خاصة تجبره على زيادة ضغوطه، وهو يطالب  الحريري «بزرك» حزب الله في «الزاوية» من خلال وضعه امام اختبار حقيقي حيال انتخاب عون، ولا يرى «الحكيم» مناصا للتخلص من التزامه حيال الرابية الا «بتعرية» موقف الحزب من ايصال الجنرال الى بعبدا، ولا يمكن لهذا الامر ان يتحقق الا من «بوابة» الحريري القادر وحده من خلال الموافقة على مبدأ انتخاب الجنرال بكشف «زيف» ما يعتقدون في معراب انه ادعاءات من قبل «الحليف الشيعي»..

رئيس مجلس النواب نبيه بري ملّ بدوره من لعب دور «الساحر» الذي تنقذ «ارانبه» المأزومين، لم يعد يريد ان يأخذ الامور «بصدره»، في ملف الازمة الحكومية لا يريد دورا يتجاوز دوره كشريك ولا يريد ان يكون «ام الصبي»، مهمات رئاسة الحكومة وتبعات قراراتها وميثاقيتها، والمواجهة مع التيار الوطني الحر لن تكون على عاتقه وحده بعد اليوم، اذا كانت ثمة تصفية حسابات، فهو يريدها ان تحصل بعيدا عنه وعن التيار السياسي الذي يمثله، بعد ان اكتشف بان التيار «الازرق» يتلطى وراءه ويريده ان يكون رأس حربة في مواجهة لا يرى انها من اولوياته… عندما زاره الحريري قبل مغادرته في اجازة خاصة طالبه بحسم جدي لخياراته الرئاسية وعدم ابقاء الامر مفتوحاعلى تكهنات وتسريبات من هنا وهناك، طبعا لم يتحدث امامه عن علاقة «غرام» تربطه بالجنرال عون، لم يشجعه على خطوة تبنيه، ولكنه طالبه بقرار واضح يحظى بتغطية سعودية كي لا تتكرر تجربة فشل الحوارات الطويلة مع «الرابية»، وعده رئيس تيار المستقبل بجواب حاسم بعد عودته، ووعده بري بانه سيبني عندها على «الشيء مقتضاه»..

وبحسب تلك الاوساط، يعمل حزب الله عن سابق تصور وتصميم على حشر الحريري في «الزاوية» مستغلا حالة ضعفه سياسيا واقتصاديا عله يتمكن من «سرقة» الاستحقاق وسحبه من «سوق» «البيع والشراء» الاقليمي، وفي هذا السياق جاء موقف الحزب المتضامن مع التيار الوطني الحر في مقاطعة جلسة الحكومة، ولكي تكون «الرسالة» وازنة وذات أثر، جاء موقف تيار المردة ليصب في هذا الاتجاه بعد اتصالات عالية المستوى مع الوزير سليمان فرنجية الذي لا يريد بدوره استمرار المراوحة الراهنة التي تأكل من رصيده في الشارع المسيحي نتيجة ازدياد الشرخ مع التيار الوطني الحر، فالمواجهة باتت مفتوحة وتتجه نحو المزيد من التدهور في ظل انكفاء تيار المستقبل الى مواقع خلفية واستخدام سياسية المراوغة مع «الجنرال»، وكان ثمة من يريد ان يضعه في موقع لا يرتضيه لنفسه، ولا يليق بتاريخه، فضلا عن كونه يهدد علاقته الاستراتيجية مع سوريا، والمقاومة في لبنان، ولذلك الحّ على الحريري قطع «الشك» «باليقين» سريعا وكرر على مسامعه مجددا تأكيده انه بحل من ترشيحه اذا ما استطاع انضاج تسوية رئاسية وحكومية تخرج البلاد من المأزق الراهن…

وفي هذا السياق «سلف» حزب الله الحريري موقفا واضحا وصريحا حيال موافقته المسبقة على عودته الى رئاسة الحكومة، ووضع بين يديه «ورقة» يمكنه استخدامها في «مفاوضاته» الصعبة مع القيادة السعودية هذا اذا ما ارتضت ان تستمع اليه حول بنود التسوية المقترحة، وبخلاف ما قيل عن ضغوط مارسها التيار الوطني الحر على الحزب لاجباره على مقاطعة الحكومة، فان قيادة المقاومة اتخذت قرارها عن سابق تصور وتصميم، ولا مكان للابتزاز او التهديد في العلاقة مع «البرتقالي»، فالحزب اراد بهذه الخطوة رفع سقف الضغوط على تيار المستقبل لافهامه ان استفراد حليفه ليس مسموحا، والمواجهة ليست طائفية ومذهبية بقدر ما هي سياسية، والتمسك بالحكومة والاستقرار لا يعني استمرار الميوعة السياسة الى اجل غير مسمى ودون سقف محدد، عناصر التسوية الداخلية باتت مكتملة التفاهم على العناوين الرئيسية «للسلة»، يحتاج الامر فقط الى لمسات اخيرة تتعلق بتفاصيل ادارة الحكم وحصة القوى السياسية في «كعكة» السلطة، طهران لا تتدخل، حسم الملف في حارة حريك، تبقى مهمة التسويق في الرياض مسؤولية الحريري ونجاح الامر مشروط  بتصاعد «الدخان الابيض» من «بيت الوسط»…

وفي الاطار نفسه يعتقد التيار الوطني الحر ان توقيت تصعيده المتدرج يساعد الحريري على المضي في الخيارات التي تساعده على العودة الى السراي الحكومي، هو بات مدركا انه دون انتخاب عون لن تكون «الطريق معبدة»امامه، محاولات ثني حزب الله عن دعمه لحليفه لم ولن تنجح، ثمة من يعتقد في الرابية ان رئيس تيار المستقبل يحتاج الى حجج منطقية وواقعية امام جمهوره للتراجع عن خياراته، «هز الشجرة» والتهديد بالفوضى الشاملة يمكن ان يكون «المدخل» لذلك، رئيس «التيار الازرق» في وضع مالي وسياسي لا يمكن لاحد ان يحسده عليها هو سيضطر في نهاية المطاف الى تقديم مصلحته على ما عداها، وامام انعدام الخيارات يبقى اقل الضرر التفاهم على «تقاسم السلطة» بدل خسارة كل شيء، ولذلك بدأ مسؤولو «التيار البرتقالي» يربطون حدود التصعيد المرتقب بما سيحمله الحريري معه من اجوبة عقب اجازته الصيفية …لكن هل كل هذه الرهانات في مكانها؟

برأي تلك الاوساط، ثمة مبالغة في رهان الجميع على قدرة الحريري في الحصول على اجوبة واضحة من الرياض في توقيت حرج وضيق، «المسرح» الكبير في المنطقة يشهد تقلبات ومحطات حاسمة خصوصا على الساحة السورية، القوى المتصارعة هناك امام محطة مفصلية تشهد اول اختبار جدي على الارض للتفاهم الاميركي  ـ الروسي الذي لم تكشف كامل فصوله بعد، التجاذبات هناك في مرحلة حساسة للغاية والجميع يحتاج لاوراق قوة تساعدهم في تحسين قدراتهم التفاوضية، تركيا حجزت لنفسها مكان رئيسيا على «الطاولة» بعد دخول قواتها الى الاراضي السورية، طهران موجودة على الارض بقوة الحرس الثوري التحالف المتين مع دمشق، حزب الله لديه منظومة قتالية متكاملة على الارض، تبقى السعودية الطرف الاضعف في الميدان، ومن المستبعد ان تخسر مجانا «الورقة» اللبنانية، اقله الان، خصوصا ان المملكة ترى في الهدنة الراهنة «وقتا مستقطعا» قبل الانتخابات الاميركية، وتأمل في تعديل موازين القوى مع الادارة الجديدة، كما ان التصعيد الايراني السعودي لا يخدم المراهنين على «ليونة» سعودية، اما اقدام الحريري على خطوات جريئة بعيدا عن الموافقة السعودية امر مستبعد، هو سيستغل عيد الاضحى لمحاولة فتح قناة اتصال جدية مع القيادة السعودية التي تفتح ابوابها امام المهنئين بالعيد، لكن ملفاته في المملكة مثقلة بالهموم المالية قبل السياسية وهو يحتاج الى الكثير من «الدعاء» و«الصلاة» ربما اكثر من الضغوط كي تأتي عودته «المظفرة» بنتائج ايجابية…