IMLebanon

التحوّل الاستراتيجي: السعودية توقف الاندفاعة الإيرانية في «دول الربيع العربي»!

من «درع الجزيرة» إلى «عاصفة الحزم»: المواجهة المباشرة بوجه تهديدات زعزعة الأمن القومي للخليج

التحوّل الاستراتيجي: السعودية توقف الاندفاعة الإيرانية في «دول الربيع العربي»!

السؤال: ماذا عن الجبهة السورية بعد إخفاقات النظام واستنزاف طهران وحزب الله؟

تشكّل عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها المملكة العربية السعودية ضمن تحالف يضم خمس دول خليجية ومصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان وبغطاء دولي «الامتحان الأوّل» للإدارة السعودية الجديدة بعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد السلطة في المملكة. بدا واضحاً أن سياسة المملكة تتجه أكثر فأكثر نحو المواجهة مع اشتداد التهديدات التي تتعرّض لها دول الخليج وأمنها القومي ومحاولات زعزعة الشرق الأوسط في ظل الاندفاعة الإيرانية وسعي طهران إلى محاصرة تلك الدول عبر أذرعها العسكرية في اليمن والعراق وسوريا وتدخلها المباشر العلني فيها، فضلاً عن لبنان الذي تترجم نفوذها فيه راهناً من خلال تعطيل «حزب الله» وحلفائه الانتخابات الرئاسية فيه، مستفيدة من التراخي الأميركي خلال فترة المفاوضات حول ملفها النووي، والتي اندفعت تحت مظلة التفاوض إلى مد نفوذها وتعزيز أوراقها لمرحلة  الحصاد لما بعد الاتفاق والتسليم بقوتها الإقليمية ودورها  ونفوذها في المنطقة.

وفي رأي المتابعين، فان عملية «عاصفة الحزم» تأتي لترسّخ التحوّل في السياسة الخليجية ولا سيما مع الأحداث التي شهدتها المنطقة على وقع «الربيع العربي» من حيث الإمساك بزمام المبادرة والتحرك  لحماية مصالحها وأمنها والقيادة من الامام، من دون الاتكاء على الحليف الاميركي الاستراتيجي. هذا ما حدث في البحرين، حين تحرك «درع الجزيرة» لحماية البحرين من محاولات إيرانية لتغيير المعادلات فيه من بوابة «الربيع البحريني» وحقوق الطائفة الشيعية فيه. وتكرر الأمر مع الدعم السعودي والإماراتي في مصر لعبدالفتاح السيسي  بعد الثورة المضادة على الإخوان المسلمين رغم الدعم الأميركي للإخوان والرئيس محمد مرسي. وهو يحصل مجدداً اليوم في اليمن بعدما تمادت ميليشيات الحوثي، مدعومة من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بالدخول إلى جنوب اليمن وتحوّل عدن عاصمة مؤقتة للرئيس اليمني عقب فراره من صنعاء التي سيطر الحوثيون عليها لاستكمال انقلابهم، وفرضوا على عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه والوزراء الإقامة الجبرية، في وقت كانت الدعوات للأطراف اليمنيين للجلوس مجدداً إلى طاولة الحوار في الرياض أو في الدوحة والعودة إلى المبادرة الخليجية. وكانت تحذيرات السعودية واضحة لنجل علي عبدالله صالح من مغبة محاولة دخوله عدن.

ووفق متابعين للشؤون السعودية، فإن صالح المتحالف فعلياً مع إيران والذي وضع الحوثيين واجهة لتحركه كان يهدف من الدخول إلى الجنوب السيطرة عليه وفرض أمر واقع جديد يحاكي ما حصل في العام 1994 من أحداث، قبل بدء أي جلسات للحوار لحل الأزمة في اليمن، وهو الأمر الذي يوفر له العودة بقوة إلى المشهد اليمني عبر تأمين دور وموقع سياسي لنجله في تركيبة السلطة الجديدة. ويذهب هؤلاء المتابعون إلى التأكيد بأن عملية «عاصفة الحزم» لم تبدأ لتتوقف قبل أن تنجز المهمة التي بدأتها وهي مساندة الرئيس المنتخب بعد الثورة اليمنية  عبد ربه منصور هادي وإنهاء مفاعيل انقلاب صالح – الحوثي، والتهديدات التي يشكلها الحوثيون لحدود المملكة وأمنها. وإذا كانت العملية في شقها المعلن تتركز على ضربات جوية للقواعد العسكرية وشل حركة الطيران الحربي اليمني وتدمير الدفاعات الجوية لصالح – الحوثي ودعم القوى الشرعية العائدة لهادي فضلاً عن اللجان الشعبية والقبائل الرافضة للتمدّد الحوثي لإنجاز مهامها على الأرض، فإن احتمالات التدخل البري، من وجهة نظر هؤلاء المطلعين، ستفرضها التطورات على الحدود ومحاولة الحوثيين شن الهجمات في اتجاهها، كما جرى أمس، لكن القوات السعودية نجحت في توجيه ضربات موجعة لهم ومنعهم من التقدم.

على أن السؤال الذي بدأ يُطرح الآن يتمحور حول طبيعة رد الفعل الإيراني، ذلك أن مفاعيل عملية «عاصفة الحزم» تكمن في وقف الاندفاعة الإيرانية. في القراءة الاستراتيجية هناك تحوّل كبير. إيران تلقت ضربة وإن كان من الباكر التكهن بنتائجها والمنحى الذي ستسلكه في قابل الأيام للتعويض. وفي التحليلات أن محاولة إيران تحريك ساحات البحرين أو المنطقة الشرقية في السعودية هو ضرب من الجنون، تماماً كما محاولة  التدخل المباشر في اليمن، أو حتى الرد في أفغانستان. فتلك عملية انتحارية تشبه العملية الانتحارية التي قام بها الرئيس العراقي صدام حسين يوم احتل الكويت، وستؤول إلى حرب لا تملك طهران فيها إمكانات تحقيق أي انتصارات ولا غطاء دولياً حتى من حلفائها، إذ بدا واضحاً من الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي ونظيره الإيراني أن موسكو التي لم تستخدم كلمة «إدانة» بل  كلمة «قلق» من تطورات اليمن ليست في وارد تغطية طهران وحلفائها حيث أكدت دعمها الثابت لسيادتها ووحدة أراضيها وأكدت على ضرورة الوقف الفوري وضرورة تفعيل الجهود، بما في ذلك جهود الأمم المتحدة، لبلورة حلول سلمية للنزاع، وكذلك فعلت الصين، ما يؤشر إلى حراجة موقف طهران في وقت تلقى عملية «عاصفة الحزم» تأييداً دولياً واسعاً.

وإذا كانت تلك الساحات تتحلى بخطوط حمراء، فإن محاولات تعويض الخسارة تبقى منحصرة في الساحات المنخرطة فيها ميدانياً في العراق وسوريا. غير أن تعثر هجوم تكريت وفشلها والحشد الشعبي في تحرير المدينة، ودخول قوات التحالف على خط العملية وتعليق الحشد الشعبي مشاركته  فيها أفقدها القدرة على تسجيل الانتصار الذي كانت تريده، لا بل شكل ضربة ثانية لها. من هنا تتجه الأنظار أكثر إلى سوريا التي كانت إيران وحلفاؤها يعدّون العدة لمعركة حسم الجبهة الجنوبية وبدء معركة القلمون، فضلاً عن خوض معارك حاسمة في اتجاه الرقة وإحراز تحولات ميدانية كبيرة في حلب. وهو ما ستكشفة الأيام المقبلة، وإن كانت المعلومات المتوافرة من الجبهات السورية، تشي بتراجع النبرة العالية حيال تلك الاستحقاقات ومواقيتها في ظل الحديث المتنامي عن استنزاف قوي لإيران وميليشياتها عسكرياً ومالياً، الأمر الذي سيجعلها تتيقن جيداً في ماهية النتائج التي يمكن أن تنجم عن خوضها معارك لا تؤول إلى تحقيق انتصارات عسكرية ومعنوية سريعة باتت في حاجة لها لرفع معنويات عسكرها وميليشياتها وجمهورها، في وقت تشهد الساحة السورية انتصارات للمعارضة المسلحة من بصرى الشام، التي تم القضاء على قواعد عسكرية لـ«حزب الله» فيها، فضلاً عن إخفاقات النظام في إدلب وحلب.

أما الساحة اللبنانية التي تتناولها التساؤلات أيضاً، فإن اقتناعاً يسود أكثر من فريق سياسي سواء في 8 أو 14 آذار من أنها ستكون ساحة بعيدة عن الانزلاقات العسكرية الداخلية، من دون أن يعني ذلك غياب المخاوف من عودة عمليات  الاغتيال في رسائل سياسية وأمنية.

كل تلك التطورات تأتي فيما العالم على مسافة أيام من انتهاء المهلة للتوصل إلى «اتفاق اطار»  أو «اتفاق سياسي» حول الاتفاق النووي الإيراني وسط ضبابية المشهد وما إذا كان ما يجري هو من  تداعيات النجاح في التوصل إلى اتفاق أو الفشل في ذلك!