IMLebanon

خطاب الاستراتيجية.. «الصحية»

هو خطاب بنكهة «الليموناضة»، ازدادت فيه «حموضة» الايام على «حلاوة» الانتصارات. كان لا بد للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في بداية كلمته مساء امس الاول، والتي جاءت بمعظمها للردّ على «وسائل إعلام عاصفة الحزم» و«التحليلات السخيفة» وعلى تغريدات أهل «الفايسبوك» و«تويتر»، ان يبدأها بدحض كل الاشاعات حول صحّته. فهو بخير و«ما بياخد حبة دوا».

كرّس السيّد في اطلالته الاخيرة، ما كان قد بدأ بالعمل عليه في خطابه ما قبل الاخير، أي الهدوء في الصوت والنبرة وحتى في حركات الجسد. 

في السياسة والميدان السوريَين، لم يأتِ نصرالله بجديدٍ يذكر. من يتابع اخبار وتحليلات ورسائل «المنظومة الإعلامية» للممانعة، يعلم مسبقاً بالعناوين العريضة واتجاهاتها. الا ان ما لم تقله «المنظومة» بالحرف، جاء على لسان نصرالله:« هدفنا الا نرى جماعات ارهابية لا في جرودنا ولا على حدودنا، وما له علاقة بالداخل السوري هو شأن سوري».

هكذا تراجع مجددا السيّد، الذي لم يأت على ذكر الرئيس الاسد ونظامه، عن اهدافه «الاستراتيجية» التي اعلن عنها مع دخوله الحرب الى جانب الاسد. وبات الهدف اليوم «إبعاد الارهابيين عن الجرود والقرى والحدود اللبنانية»، بعد ان كان الهدف «حماية محور المقاومة وكسر مشروع الاستعمار»! 

في حديثه عن القلمون، وقع السيّد في فخّ «التسميات»، اذ اعتبر انه لا وجود لـ«الثوار» في الجرود، بل هناك مجموعة من الارهابيين الذين يقطعون الرؤوس، متسائلاً: «كيف تسمي بعض القوى اللبنانية المسلحين بالثوار؟ هل الذين يستهدفون الجيش ومراكزه واهالي عرسال هم ثوار ام ارهابيون»؟

لكن هل حقاً يُفرّق السيّد بين الثوار والارهابيين ؟! نسي نصرالله انه وضع، منذ انطلاقة ثورة الشعب السوري، جميع الفصائل في خانة «الارهاب»! واذا كان نصرالله يقاتل «التكفيريين» في جرود القلمون، فلماذا قَدِمَ قاسم سليماني من مجاهل فارس للقتال على الجبهة الجنوبية ؟! هل يعلم نصرالله ومن خلفه ايران ان الجبهة الجنوبية وتحديداً درعا هي في قبضة «الجيش الحر» ؟! هل يعلم نصرالله ان «الجيش الحر» الذي لا يرفع اعلاماً سوداء ولا يطالب بالخلافة الاسلامية ولا يقوم بعمليات انتحارية ولا يقطع الرؤوس، هو من يقاتل تنظيم «داعش» الارهابي على مساحة الارض السورية ؟! واذا كان لا بد من نزع صفة «الثائر» عن من يقطع الرؤوس، وهي منزوعة اساساً، الا يحق للطرف الآخر نزع صفة «المقاوم» عن من يرمي الشعب بالبراميل المتفجرة والغازات السامة ؟! لم يميّز نصرالله يوماً بين الجماعات التكفيرية وبين فصائل الجيش الحر، بل هو لم يعترف يوماً بوجود ثورة وثوار، حتى قبل ان نسمع بـ«داعش» و«القاعدة» وغيرهما. الواقع ان نصرالله ومحور الممانعة لديهما تصنيفات خاصة تتماشى مع مشروعهما. فمن يثور خدمة لهذا المشروع هو «مقاوم وثائر على طريق تحرير القدس»، ومن ينتفض ويثور طلبا للحرية والعدالة والاستقلال بعيدا عن التوجه الايراني، هو «عميل صهيوتكفيري!».

زاد في الايام الماضية الحديث عن ان حزب الله اطلق معركته في الجرود الواقعة في الجنوب الغربي من القلمون لحث المسلحين على الانسحاب باتجاه جرود عرسال شمالاً، تمهيداً لمعركة كبرى هناك. وهذا ما كشفه نصرالله، اذ قال «نحن امام انتصار ميداني كبير جدا، الا ان الامان لن يتحقق طالما ان المسلحين موجودون في جرود عرسال».

ان محاولات نصرالله الهادفة الى حشر المسلحين في جرود عرسال، تعطيه بعض الامل في استدراج الجيش اللبناني الى معركة مع المسلحين، لتخفيف العبء والضغط الميداني عن مسلحيه من جهة، ولفرض تنسيق بين الجيشين السوري واللبناني، لطالما سعت دمشق اليه من جهة اخرى.كما ان حديثه عن دور عرسال في تسهيل مرور المسلحين والسلاح الى الجرود، وتأكيده حق اهالي بعلبك الهرمل في الدفاع عن انفسهم، يحمل في طياته بذور فتنة بين اهالي المنطقة. وقد يوحي هذا كله بأن عرسال مستهدفة بوجودها، خصوصاً اذا قرر محور الممانعة اقامة دولة ممتدة من دمشق الى اللاذقية !

انهى نصرالله حديثه «المقتضب» عن القلمون، ليقفز باتجاه اليمن، فوصف اهل الجزيرة العربية بـ«اصحاب الفكر الصحراوي البدوي المتوحّش»، بعد ان نعتهم سابقاً بـ«التنابل والكسالى والفاشلين».! بفجاجة غير مسبوقة، يبرّر نصرالله وصفه هذا، لان «عاصفة الحزم»، برأيه، قد» استهدفت الاضرحة والقلاع والآثار، في سابقة خطيرة تتيح شرعنة قيام اميركا واسرائيل والجماعات التكفيرية بمثلها وتلغي قاموس المحرمات». لو أن لمسجد وضريح خالد بن الوليد في حمص لساناً، لنطق وتحدّث عن فظاعة ما ارتكبته ايادي «رجال الله». يومها اطلّ مراسل قناة «المنار» على اطلال الضريح، في مشهد استفزّ مشاعر مئات الملايين من المسلمين حول العالم:«معكم المنار من قلب الحدث»! وكأن السيد تحدّث من حيث يدري او لا يدري عن تهديم اجزاء من المسجد العمري الاثري في درعا ومن المسجد الاموي في حلب، وعن تهديم اعمدة قلعة حمص الاثرية بالاضافة الى استهداف عشرات القلاع والبنى الاثرية التي لم تسلم من حقد الاسد وميليشياته على حضارة سوريا.

وتطرّق نصرالله في خطابه الى الملف البحريني، حيث أكّد ان «اوضاع السجون في البحرين مؤلمة ومفجعة في ظل الصمت العالمي». ربما نسي نصرالله ان احد اهم اسباب توسّع «الثورة» في سوريا، كانت في صور الطفل الشهيد حمزة الخطيب، الذي تسلم اهله جثته وبدت عليها اثار التعذيب والرصاص، وكُسرت رقبته ومثّل الامن بجثته وقطع بعض أعضائه. ربما نسي «حامل هموم الامة» صور آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب الوحشي في سجون حليفه الاسد في ظل صمت العالم الذي يفاوض سيّده الايراني. ربما لم يطلع نصرالله على اساليب التعذيب الوحشي في سجون ايران بحق من لا يتحدث اللغة الفارسية ومن لا يطيع امر الولي الفقيه ومن يعارض ممارسات النظام من قلب هذا النظام. لا بأس، سيجد نصرالله مسوغا «شرعيا» لكل هذا التعذيب. وربما تكون الحجة أن كل من يقف بوجه «اسلام ايران الراقي» ومشروعها القائم على ازالة اسرائيل عن الخارطة، انما يستحق الموت بكافة الطرق والاساليب.

التزم نصرالله بمدة الساعة المخصصة للحديث الى «الامة». مرّ على فلسطين ونكبتها مرور الكرام. حذّر من نكبة أخطر وأكبر يحضّر لها المحور التكفيري في المنطقة، متناسياً «النكبة التاريخية» التي احدثها نصرالله وسيّده الايراني بحق شعوب المنطقة. لم يتطرق «سيّد المقاومة» الى ارهاب وتكفير حليفه ميشال سماحة الذي اعترف بادخال متفجرات الى لبنان لاغتيال شخصيات سياسية ودينية ولزعزعة السلم الاهلي. والاهم انه لم «يعد بالنصر مجددا!».