فرنسا المضروبة بالارهاب من جديد في عيدها الوطني مصدومة ومرتبكة وحزينة وغاضبة. أوروبا في تأهب أمني وخوف من عمليات ارهابية يتم تنفيذها بوسائل غير عادية ولا مألوفة. أميركا وروسيا اللتان تقود كل منهما تحالفاً ضد الارهاب تجريان محادثات ودية وصريحة حول عمل مشترك وما سماه وزير الخارجية الأميركي جون كيري توحيد العالم في مكافحة الارهاب. والعرب والمسلمون يستنكرون العملية الارهابية الوحشية في نيس، ويحرصون على التأكيد أن هذه العمليات خارجة على الاسلام وكل الشرائع السماوية. ومع ان التقصير في الاجراءات الأمنية الفرنسية كان واضحاً في تأمين حماية أفضل للاحتفال بذكرى ١٤ تموز ومراقبة التونسي محمد بوهلال الذي له ملف جنائي، وسط معلومات عن تهديدات جدية، فان من الصعب حماية حياة الناس ممن لا تهمه حياته وليس خائفاً من أن يموت.
ذلك ان السؤال الفوري بعد العملية الارهابية هو: هل كانت عملية منظمة وكان المجرم مرتبطاً بتنظيم ارهابي أم انه ذئب منفرد وربما مجرد رجل عنيف يائس وغاضب قام بعمل جنوني؟ والجواب البسيط هو: لا فرق، لأن العملية جرت في مناخ ارهابي وتحريض على القتل بكل الوسائل في كل مكان. ولم يكن أبلغ من الرمز في اليوم المختار للهجوم سوى الوحشية في دهس خمسين طفلاً مع الرجال والنساء.
والسؤال الذي يهرب منه الداعون الى محاربة الارهاب هو: هل هناك قرار استراتيجي بانهاء وظيفة داعش والنصرة والقاعدة وبقية التنظيمات المدرجة على لوائح الارهاب؟ ما هي الاستراتيجية الأميركية والروسية والأوروبية والاقليمية والاسلامية والعربية للحرب على الارهاب؟ أليس تعبير الحرب على الارهاب ملتبساً أو محايداً، بمعنى أن كل طرف يسمي خصومه ومعارضيه ارهابيين ويضع الصراع على النفوذ الاقليمي والدولي كذلك الصراع على السلطة في خانة الحرب على الارهاب؟
الواقع أن الارهاب ليس من دون عنوان، ولا مجرد عنف سوريالي. فهو عنف يخدم ايديولوجيا. وسيلة من أجل هدف. وكل عمليات القصف الجوي والقتال البري باسم الحرب على الارهاب تبقى عاجزة من دون مواجهة الايديولوجيا التي يخدمها الارهاب. حتى اخراج داعش من المدن التي استولى عليها في العراق وسوريا بقوة الروس والأميركان في مناخ مذهبي في المنطقة وفوق رمال سياسية متحركة، فإنه يقود الى ظهور داعش أشد خطراً وتطرفاً.
والتحدي الكبير هو أولاً مواجهة دولة الخلافة الداعشية، لا بالقول إن الخليفة البغدادي أعلنها من دون الشرائط والموجبات الشرعية بل بالاعلان أن دولة الخلافة لم تعد ملائمة لموجبات الحكم وحاجات الناس في الدول المعاصرة. وهو ثانياً، اقامة دولة المواطنة في كل بلد عربي واسلامي.