Site icon IMLebanon

شراكة استراتيجية بين بريطانيا ودول الخليج

دشّنت قمة دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين استئناف دور بريطانيا التقليدي قبل استقلال عدد من الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون – الذي عُرِف بديبلوماسية البوارج Gunboat Diplomacy، وأطلقت قمة المنامة اتفاقاً خليجياً – بريطانياً لردع إيران وشراكة استراتيجية لمواجهة التهديدات الأمنية والتزاماً بريطانياً بحماية أمن الدول الخليجية الست. رسالة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خلال حلولها ضيفة شرف على القمة الخليجية هذا الأسبوع، كانت بالغة الوضوح، إذ قالت: «رخاؤكم هو رخاؤنا تماماً مثلما أن أمن الخليج هو أمننا»، مؤكدة: «إنني مفتوحة العينين حيال التهديد الذي تمثله إيران للخليج والشرق الأوسط على نطاق واسع»، ومتعهدة بـ «العمل سوياً لردع تصرفات إيران العدوانية في المنطقة سواء كان ذلك في لبنان، اليمن، سورية، أو الخليج نفسه». آلية تنفيذ التعهدات البريطانية هي في توسيع القاعدة البحرية البريطانية وتعزيزها في البحرين بتسهيلات كبرى في الحكومة في البحرين وبإطلالة مهمة على كامل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.

هذه الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون وبريطانيا التي اعتبرها عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة مشروع «نقلة نوعية» في العلاقات، تأتي في الوقت الذي ترسخ روسيا قدميها في الشرق الأوسط عبر البوابة السورية في قاعدتها البحرية هناك وعبر دخولها طرفاً في الحرب الأهلية السورية لمصلحة نظام بشار الأسد. الاندفاع البريطاني الأمني والتجاري والاقتصادي لصوغ شراكة استراتيجية مع السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين هو بمثابة إبلاغ للولايات المتحدة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن بريطانيا ماضية إلى الأمام بعلاقاتها مع دول مجلس التعاون شاء الرئيس المنتخب أن يكون شريكاً في هذه العلاقة أو قرر الابتعاد منها. ما يتسرب عن احتمال وجود أميركي في المنطقة عبر القواعد العسكرية أو غيرها، أتى عبر إعلان قائد التحالف الدولي الجنرال الأميركي ستيفن تاونسند أن قواته في «حاجة إلى ضمان وجود دائم في العراق بعد معركة الموصل، مهما طال ذلك». اقتسام النفوذ عبر الوجود العسكري للدول الكبرى في منطقة الشرق الأوسط هو إشارة واضحة إلى نظام إقليمي جديد ومؤشر إلى استعادة التوازن الأمني في منطقة الخليج.

نجحت البحرين في استضافتها القمة الخليجية والقمة الثنائية البريطانية – البحرينية، ثم القمة السعودية – البحرينية في غضون ثلاثة أيام بتحقيق إنجازات أمنية داخلية وإقليمية وإرسال رسالة إلى إيران عنوانها: تجديد المؤازرة الإقليمية والطمأنة الدولية للبحرين.

زيارة رئيسة الوزراء البريطانية إلى المنامة كانت الأولى لها في منطقة الخليج، وحملت عنوان «عودة بريطانيا إلى الخليج»، وفق تعبير مراقب سياسي خليجي مخضرم. هذه عودة أتت في وقتها، كما يراها أهل الخليج وبالذات أهل البحرين التي تُعتَبر «الخاصرة الرخوة» للتدخل الإيراني في شؤون الدول الخليجية. فوجود بريطانيا بزخم في القاعدة البحرية في البحرين يضمن للأخيرة رادعاً يُحسب له حساب من جميع المعنيين وبالذات إيران. فالبحرين في حاجة إلى شريك يفهم تركيبة البحرين وله علاقات تاريخية معها يمكن الاعتماد عليه.

هذا لا يعني أن البحرين أو دول مجلس التعاون الخليجي قررت الاستغناء عن العلاقات الأمنية التاريخية مع الولايات المتحدة أو استبدال الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة بالشراكة مع بريطانيا حصراً. وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة كان واضحاً بتأكيده أن الشراكة الاستراتيجية المعززة والموسعة مع بريطانيا ليست رداً على أي انسحاب أميركي من المنطقة، ولا مؤشراً إلى استغناء الدول الخليجية عن العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولا هناك أي عزم على استبدال هذه بتلك. ثم إن البيان الختامي لقمة المنامة تضمن التطلع إلى «تعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة».

هذا لا ينفي واقعاً واضحاً على رغم أمل الدول الخليجية بتجديد الاهتمام الأميركي التقليدي بها، وهو أن بريطانيا اتخذت قرار عدم انتظار وضوح السياسات الأميركية المجهولة نحو منطقة الخليج. أخذت بريطانيا المبادرة لإزالة أي غموض أو تردد حول العلاقات البريطانية – الخليجية التي تريدها حكومة تيريزا ماي، بالذات في أعقاب «بريكزيت»، وقوامها التزام مؤسساتي بتوسيع الشراكة الخليجية – البريطانية وتوطيدها على كافة الصعد عبر حوارات استراتيجية ومؤسساتية شمولية أركانها الأمن والاقتصاد والتكنولوجيا والمعلومات الاستخبارية. أتى هذا في خضّم الشكوك الخليجية في السياسات الأميركية نحوها بالذات في عهد باراك أوباما، وعشية الترقب لما في جيب دونالد ترامب. أتت الطمأنة البريطانية في الوقت الذي كانت دول مجلس التعاون الخليجي في أشد الحاجة إلى تأكيد الترابط بينها وبين قوة غربية مهمة.

قد يدفع هذا التطور بإيران إلى الرد بتهديدات وتصعيد ضد الدول الخليجية بدءاً بالبحرين، وهذا ما يتوقعه بعض الخليجيين، إنما بلا ذلك الخوف المعهود. فلقد طمأنت بريطانيا القيادات الخليجية إلى أنها لن تقبل أساليب الاستفزاز، ولن تصمت على التدخلات الإيرانية التي تهدد أمن الخليج وأنها ستردع فعلاً عبر وجودها العسكري البحري.

يصعب التصوّر أن بريطانيا مستعدة لمواجهة عسكرية مع إيران لحماية أمن دول الخليج، لا سيما أنها كانت شريكاً مهماً للولايات المتحدة في حرب العراق التي قدّمت العراق لإيران على طبق من فضة. ويصعب تصوّر وقوع تصادم عسكري بريطاني – إيراني، علماً أن بريطانيا من الدول الأساسية التي دفعت إلى الأمام بقوة من أجل إنجاز الاتفاق النووي مع إيران الذي أعطى طهران ميزة التفوق والمكابرة.

صحيح أن بريطانيا بدأت في الآونة الأخيرة فقط وبكثير من الحياء، التحدث عن الأدوار الإيرانية في العراق واليمن والحرب السورية، إلا أنها أعفت إيران من المحاسبة على هذه التدخلات طوال فترة المفاوضات حول الاتفاق النووي، فزادتها تمكيناً.

لعل الحكومة البريطانية استنتجت أن أفضل وسيلة تعويض لها عن خسائرها المحتملة نتيجة انسحابها من الاتحاد الأوروبي، تكمن في دول مجلس التعاون الخليجي. تيريزا ماي تعهدت بالعمل الدؤوب على إبرام اتفاقية تجارة حرة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون ورسالتها إلى القمة الخليجية كانت: لقد حان الوقت لإعادة تأكيد الالتزام القاطع بالعلاقة البريطانية – الخليجية على المستويات كافة لتحقيق الأمن والازدهار والاستثمار، ذلك أن «رخاءكم رخاؤنا كما أمنكم هو أمننا».

البيان المشترك عن قمة قادة دول مجلس التعاون مع رئيسة وزراء بريطانيا، شدد على التزام الجانبين الراسخ «بحماية مصالحهما الأمنية المشتركة في منطقة الخليج من خلال الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين مجلس التعاون والمملكة المتحدة، بما في ذلك ردع أي عدوان خارجي والرد عليه، وبتعزيز الروابط بينهما من خلال المساعدة الفنية والتعاون والتدريب في المجال الأمني والدفاعي».

البيان المشترك تطرق إلى سورية وأكد رأي الجانبين «أن الأسد قد فقد شرعيته وليس له دور في مستقبل سورية». وزاد: «يجب على المجتمع الدولي أن يكون موحداً في دعوة الأسد وداعميه، بما في ذلك روسيا وإيران، إلى دعم عملية سياسية حقيقية». ووفق البيان المشترك، أكد الجانبان «دعمهما القوي للمعارضة السورية»، واتفق القادة على «زيادة الضغوط الإقليمية على نظام الأسد وداعميه من خلال زيادة حدّة القيود المالية والاقتصادية». سورية كانت حاضرة في القمة الخليجية بكثير من الخجل ومن دون أي استنكارات كبيرة لما يحدث في حلب، كأن هناك إقراراً لدى البعض بأنه فات الأوان. فهناك تباينات واضحة بين مواقف دول مجلس التعاون في شأن سورية، إذ إن الأكثرية باتت تعتبر أن سورية شأن تُعنى به السعودية وقطر. ووفق المصادر، فإن هاتين الدولتين ما زالتا مصرتين على دعم المعارضة السورية.

اليمن كان موجوداً في قمة المنامة أكثر من سورية، إنما أيضاً بتباين بين مواقف الدول الخليجية الست، لا سيما أن بعضها يرى أن الوقت حان للضغط جدياً على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للموافقة على خريطة الطريق التي أعدها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد بناءً على أفكار أميركية وغيرها.

البيان المشترك أكد مجدداً العمل السياسي وفقاً للمبادرة الخليجية والقرار 2216. بعض الخطب شددت على التمسك بالشرعية التي يمثلها هادي، والبعض الآخر تمسك بخريطة الطريق الدولية حصراً. المفيد أن قادة الخليج وبريطانيا تحدثوا في البيان المشترك عن العمل معاً لإعادة إعمار اليمن «بما في ذلك تأهيل الاقتصاد والموانئ البحرية والخدمات العامة بعد التوصل إلى الحل السياسي المنشود».

دعم القادة في البيان المشترك الجهود الدولية لتقاسم السلطة في ليبيا. شددوا على ضرورة حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حل الدولتين. رحبوا بانتخاب رئيس جديد للبنان ودعوا إلى «تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية»، مؤكدين ضرورة محاربة جميع الجماعات الإرهابية التي تمارس أعمالها على الأراضي اللبنانية. وتشكل تهديداً لأمن لبنان واستقراره». وفي ما يتعلق بمصر «فإن مجلس التعاون والمملكة المتحدة يدعمان التعاون بين صندوق النقد الدولي ومصر»، في إشارة مقتضبة جداً في البيان.

قمة مجلس التعاون الخليجي مع بريطانيا شددت على مكافحة الإرهاب، لا سيما من جانبي «القاعدة» و «داعش» والمنظمات المنبثقة منهما. واتفق الطرفان على مجموعة إجراءات في شأن التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك في شأن المقاتلين الأجانب فيها.

2017 سنة البحرين وهي ترأس مجلس التعاون الخليجي قبل أن تنتقل الرئاسة في عام 2018 إلى الكويت. انطلاقة الرئاسة كانت قفزة مهمة في الشأن الأمني لمنطقة الخليج ورسالة المؤازرة كانت قوية، لا سيما من خلال الزيارة الرسمية التاريخية للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى البحرين. فالسعودية، وفق ما قال الملك حمد بن عيسى: «تمثل العمق الاستراتيجي الخليجي والعربي والركيزة الأساسية في حفظ وأمن استقرار المنطقة وصمام أمانها». أما بريطانيا فإنها عادت إلى الخليج بقوة عبر البوابة البحرية في البحرين. ولهذا الأمر دلالة تريح أهل الخليج وتجعلهم أكثر اطمئناناً.