Site icon IMLebanon

الكلاب الشاردة تموت… “ميتة الكلاب”!

 

 

بغياب خطة الـ”TNR”… مجرمو “اللانيت” يسرحون ويمرحون

 

 

هنا في لبنان عددها يتخطّى الـ50 ألفاً. هي الكلاب الشاردة التي تتفاقم ظاهرتها يوماً بعد يوم. أصحابها يتخلّون عنها من دون خصيها. ولكم أن تتخيّلوا البقية. ظاهرة ليست بالجديدة لكن ضيق الحال ضاعف واقعها. والوزارات والجهات المعنية عاجزة الآن وفي كل وقت عن أي معالجة… رسمية. نُدخل إلى معادلة القضاء عليها مادة «اللانيت» المحظورة و»تآمر» بعض البلديات، وفق تقاطع التأكيدات، فيشتدّ السيناريو قساوة. وكأن الرمي بالرصاص أو السحل بالسيارات حتى الموت لا يكفيان. تفنّن في الإجرام ولا من يتحمّل المسؤولية. خياران لا ثالث لهما: الجوع أو القتل.

مشاهد تصفية الكلاب تملأ التقارير الإخبارية والسوشال ميديا. وكأنها حدث عادي أسوة بمآسٍ كثيرة اعتادها اللبناني. الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الحيوان من مجموعة aWaLebanon، سيدة النوّار، تشير في حديث لـ»نداء الوطن» إلى أن المشكلة الأساس تكمن في تخلّف المجتمع في التعاطي مع البيئة والحيوان. أما العقبة الثانية فهي تقاعس البلديات التي ألزمها قانون الرفق بالحيوان، وتحديداً المادة 12 منه، على الاهتمام بالحيوانات الشاردة ووضْع خطة للتعامل معها بناء على توجيهات وزارة الزراعة. «لكن للأسف لم نرَ منذ العام 2017 أي بلدية تتحرّك لمعالجة الملف. عمليات تسميم وقتل بالرصاص ودهس بالسيارات ولا تحقيق واحد لتحديد الفاعل ومحاسبته»، كما تقول.

 

الكلاب الشاردة تتكاثر باستمرار بسبب عدم خصيها. وتقوم بمهاجمة المارّة بسبب الجوع أوّلاً كما التعنيف ثانياً. فهل هذا ذنبها وحدها؟ «الكلب مخلوق ضعيف ولا يفكّر بطريقة «عقلانية». ما يريده هو أن يأكل ويشرب ويشعر بالأمان. لكن من يتحمّل المسؤولية إذا تعرّض كلب ما لأحد المارّة؟ أليست هي مسؤولية البلديات؟ وأين وزارة الداخلية من إجبارها على تطبيق القانون؟»، تتساءل النوّار. رَفْع الصوت ليس كافياً، لكنّها تمنّت على المواطنين إبلاغ البلديات فوراً عند تعرّضهم لأي هجوم وذلك لتحميل الأخيرة مسؤولياتها. فالأمر يتعلّق بالسلامة العامة ولم يَعُد مقبولاً أن تقف البلديات ووزارة الداخلية موقف المتفرّج.

خطة بديلة؟

 

حسناً. لنفترض أن البلديات لا ولن تحرّك ساكناً. فما الحلّ إذاً؟ سؤال حملناه إلى النوّار التي أجابت: «الحلّ بالتأكيد ليس في تسميم الكلاب وإطلاق النار عليها وسحلها، وإلّا نكون أمام جريمة أكبر. الحلّ يتمثّل في تطبيق طريقة (Trap – Neuter – Release) – أو ما يُختصر بـ»TNR» – التي ترتكز على إحصاء عدد الكلاب في كل منطقة وخصيها وتلقيحها، ووضع حلقة في أذنها للإشارة إلى أنها أصبحت غير مؤذية صحياً ولا تشكّل خطراً على المواطن». ويمكن تنفيذ الخطة بتوحيد الجهود بين كل من وزارة الزراعة (من خلال تأمين اللقاحات بتمويل من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة) والأطباء البيطريين (لخصي الكلاب والكشف على صحتها) والناشطين (لإحصاء الأعداد وتوفير المساعدة الميدانية).

 

كما في كل مضمار تقريباً، تكون المبادرات فردية. لكن، من وجهة نظر النوّار، لم يَعُد بمقدور الناشطين تحمّل الأعباء والتكاليف. فعملية الخصي، مثلاً، تتراوح تكلفتها بين 100 و200 دولار وتأجير الأراضي لجمع الكلاب الشاردة لا يحصل إلّا بالـ»فريش» دولار، فضلاً عن أسعار الطعام الذي يعجز كثيرون عن تأمينه. «نحن نكابد فوق طاقتنا ونحاول جمع التبرّعات في حين أن الدولة تقف متفرّجة. وبدل أن تُلقى المسؤولية برمّتها على عاتقنا، على الجهات الرسمية الاضطلاع بدورها. شَبِعنا وعوداً ونحن بأمسّ الحاجة إلى التطبيق لا سيما أننا على أبواب موسم اصطياف، ومن غير المقبول أن تبقى الكلاب الشاردة تتنقّل أمام المطاعم أو أن تُترك جيف الحيوانات النافقة لتتحلّل على الطرقات أمام أعين لا مبالية حيناً وقلوب متحجّرة حيناً آخر»، كما تختم النوّار.

 

 

أكثر من رسالة

 

بالحديث عن الأطباء البيطريين، تواصلنا مع الطبيبة د. ماريانا فضوليان. وهي شقيقة غايا، إحدى ضحايا انفجار مرفأ بيروت والتي كانت تعشق الاهتمام بالحيوانات الشاردة وإطعامها وإيواءها. عائلة غايا أكملت مسيرتها من بعدها من خلال تأسيس جمعية Gaia Fodoulian Association. فضوليان ما زالت تعتني بآخر أنثى كلب أنقذتها غايا قبل استشهادها. وتخبرنا: «قمنا بتأسيس الجمعية لنبقي اسم أختي حيّاً ولنُكمل مسيرة كانت تحبّها. فأهداف الجمعية مساعدة الحيوانات الشاردة، إنقاذها من وحشية البشر، تأمين مأوى لها لأن الطرقات ليست آمنة، كما التدخّل في حال تعرّضها لأي حادث». وفي سياق الحديث لفتت إلى أن معظم الشكاوى التي وردت إلى الجمعية مؤخراً شملت ترك الكلاب مربوطة أمام المنازل في أجواء مناخية باردة وبلا رحمة وكأنها خُلقت للحراسة فقط لا غير؛ صَدْمها بالسيارات وعدم التوقّف لمساعدتها أو إسعافها؛ وقتلها بالرصاص أو تسميمها.

 

فضوليان أعربت عن تفهّمها صعوبة الأوضاع المعيشية غير أنها ناشدت كلّ من لم يَعُد قادراً على تحمّل المصاريف، التوجّه إلى الجمعيات لعلّها تساعد في تأمين الطعام للكلاب أو إيجاد حلّ مناسب لها، بدلاً من رميها في الشارع والحُكم عليها بأبشع وسائل التعذيب. كما طالبت الجهات المسؤولة التحرّك الفوري كون الجمعيات عاجزة عن الاستمرار من دون دعم. «التكاليف أصبحت باهظة… لو كنّا في بلد يحترم الإنسان والحيوان، ولو لم نكن نعيش في غابة موحشة، لكان بالإمكان خصي الكلاب وتركها في الأماكن التي توجد فيها على غرار ما يحصل في بلدان كثيرة وتركيا أقرب مثال. لكن للأسف، إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه فسنقِف عاجزين عن مساعدة الحيوانات الشاردة وإنقاذها».

 

لماذا «اللانيت»؟

 

نسأل فضوليان عن أسباب استخدام مادة «اللانيت» بالتحديد للقضاء على الكلاب، فتشير إلى أنها الوسيلة الأسهل والأسرع والأقل تكلفة. لكن ما تأثيرها على الكلاب؟ «هذا سؤال يُطرح عليّ كثيراً كطبيبة بيطرية عن إمكانية شعور الكلب بالألم. والجواب بالطبع. فهو كائن لديه روح وإحساس مثل الإنسان لكن الفرق بعدم قدرته على التعبير. مقاطع الفيديو المتداوَلة كفيلة بإظهار كمّ العذاب الذي يتعرّض له الكلب قبل أن يلفظ أنفاسه. «اللانيت» من أكثر الوسائل المؤلمة بحيث ينتج عن تَناوله تَغيُّر فجائي في حرارة الجسم ونزيف حاد حيث تذوب أمعاء الكلب شيئاً فشيئاً إلى أن يبصق الدم من فمه. وهذا شبيه بشعور الإنسان حين يتقيّأ نتيجة تعرّضه للتسمّم لكن بوقع مضاعَف آلاف المرّات».

 

لكن مهلاً. يبدو أن ما لا يعرفه – أو يتجاهله – «مجرمو اللانيت» أن هذه المادة تتحلّل في فصل الشتاء وتختلط بالمياه الجوفية لينتهي بها المطاف في مجاري الأنهار والبحر قاضية على الأسماك والحيوانات البرية من جرّاء شربها المياه الملوّثة. أما المزروعات المروية منها، فتصل إلى الموائد مسبّبة الأمراض السرطانية وتشوّه الأجنّة لدى النساء الحوامل. ألم نقل إجراماً؟ فما رأي وزارة الزراعة؟

 

حبر على ورق… ونموذج

 

رئيس مصلحة الصحة الحيوانية في الوزارة، الدكتور باسل البزّال، أكّد لـ»نداء الوطن» السعي الدائم لإيجاد حلّ لهذه المعضلة. «أعدّت الوزارة منذ ما يزيد عن عشر سنوات خطة لمكافحة ظاهرة الكلاب الشاردة وذلك تماشياً مع المعايير الدولية، وكانت البلديات العنصر الأساسي في تطبيقها. وبعد أن قمنا بتوزيع الخطة على وزارة الداخلية المسؤولة مباشرة عن البلديات، تعرقلت بسبب الظروف التي طرأت على البلد». لكن هل تُترك الكلاب لمصيرها لو لم تُبدِ البلديات رغبة في التعاون؟ «نحن على استعداد دائم للتعاون مع كافة الجهات، من نقابة الأطباء البيطريين إلى الناشطين الذين يقومون بمبادرات فردية، لكن الحلّ الجذري لا يكون إلّا على صعيد البلد ككلّ وليس ضمن نطاق مناطقي. من هنا ضرورة إيجاد تصوّر شامل والبدء بتطبيقه بقدر ما تتيح الإمكانيات المتاحة حالياً»، على حدّ تعبير البزّال.

 

نكرّر السؤال حول مادة «اللانيت» وأسباب غياب الرقابة على استخدامها، فنسمع أنها على قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد والتصنيع في لبنان. وهي بالتالي تدخل بطريقة غير شرعية ويُعدّ استخدامها غير قانوني. الجريمة إذاً مزدوجة: قَتْل عشوائي لأرواح بريئة واستخدام مواد محظورة، والملاحقة تحتاج إلى ملاحقة. «نحن نتحرّك بناء على شكاوى تُقدَّم من المواطنين، فنجري الكشف والتحقيق اللازمين، رغم الإمكانيات الضئيلة، ومن ثم نحوّل الملف إلى القوى الأمنية. ما يحصل مرفوض رفضاً تاماً لأنه لا يعكس الصورة الحضارية والإنسانية للبنان. لذا نطلب من المواطنين إبلاغنا عن أي مخالفة أو حال التعرّف إلى استخدام أحدهم هذه المادة». نزيد جرعة السؤال ونستفسر عما يُتناول حول تآمر بعض البلديات وشرائها مادة «اللانيت» للتخلص من الحيوانات الشاردة. لا معلومات دقيقة لدى الوزارة بهذا الشأن، بحسب البزّال. هو لم ينفِ ولم يؤكّد. لكنه نوّه بالدور الذي قامت به وزارة الزراعة حيث شاركت في صياغة قوانين الرفق بالحيوان وبضرورة تأدية الرسالة بشكلها الصحيح.

 

نبقى مع البلديات. فالصيف على الأبواب. وإلى بلدية البترون، تحديداً، المنطقة السياحية بامتياز. حيث ثمة تغنّ مؤخراً بافتتاح معهد علوم البحار والتكنولوجيا وإطلاق متحف تحت الماء. والأمران رائعان. لكن هناك أيضاً تجول الكلاب الشاردة بين روّاد المنطقة وقبالة المطاعم بلا حسيب ولا رقيب كما يكثر الكلام. شكاوى بالجملة تصل إلى البلدية من مواطنين تعرّضوا لمضايقة تلك الكلاب بلا طائل. ونحن بدورنا حاولنا مراراً وتكراراً، ولمدّة أسبوع، التواصل مع رئيس البلدية، مارسيلينو الحرك، وأبلغناه بفحوى الاتصالات لكن التجاهل كان سيد الموقف. بعض أعضاء المجلس البلدي ممّن حاولنا استمزاج رأيه تهرّب أيضاً من الإجابة. وهذا نموذج لا أكثر. وزارة الزراعة لا سلطة مباشرة لها على البلديات. جيّد. لذا نسأل من له سلطة: إلى متى التفرّج على هذه الارتكابات غير الإنسانية؟ سؤال بِرَسم وزارة الداخلية.