يتساءل اللبنانيون، ولا سيما منهم المسيحيون، ألم يكن أفضل وأجدى لو أن العماد ميشال عون قرر النزول الى مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية بدل النزول الى الشارع وكأنه لم يتعلم، ومن معه، من تجارب الماضي وما انتهى اليه ذلك. فالشارع لم يكن يوماً هو الحل إنما كان المشكلة… فعندما اصطدم لبنانيون وفلسطينيون في الشارع كان “اتفاق القاهرة”، وكان اتفاق اذعان. ووقت لم يشكل هذا الاتفاق علاجاً لمشكلة السلاح الفلسطيني في لبنان كانت الحرب الداخلية العبثية التي دامت 15 سنة ولم تتوقف إلا بدخول “قوات ردع عربية” أصبحت في ما بعد قوات سورية صرفة. وعندما أعلن العماد عون “حرب التحرير” على القوات السورية في لبنان انتهت تلك الحرب بالفشل، وعندما قامت “حرب الالغاء” انتهت بأن خسر المسيحيون في مؤتمر الطائف جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية لأنهم ذهبوا اليه وهم مشرذمون ومنهكون من تلك الحرب. وعندما لجأ العماد عون الى الشارع ورفض تسليم قصر بعبدا للرئيس المنتخب رينه معوض، تقرر اخراجه منه بالقوة فلجأ الى السفارة الفرنسية ومنها منفياً أو مبعداً الى باريس، وخضع لبنان لوصاية سورية دامت 30 عاماً.
وعندما جربت قوى 8 آذار بقيادة “حزب الله” إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بواسطة الشارع وضربت حصاراً حول السرايا الحكومية دام سنة تقريباً، لم تستطع اسقاطها إنما اسقطت الحركة التجارية والاقتصادية في وسط العاصمة وألحقت بأصحابها اضراراً مادية جسيمة. وعندما لجأ “حزب الله” الى الشارع في 7 أيار 2008 لاسقاط الحكومة لأنها تجرأت واتخذت قرارات اعتبرها الحزب تمس “أمنه القومي” انتهت احداث ذاك اليوم غير المجيد بعقد مؤتمر في الدوحة فرض انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلاً وتشكيل حكومة “وحدة وطنية” توزعت المقاعد الوزارية فيها حصصاً بين القوى السياسية الأساسية في البلاد. ونص ذاك الاتفاق على أن “تتعهد الاطراف الامتناع عن أو العودة الى استخدام السلاح أو العنف بهدف تحقيق مكاسب سياسية، وعلى حظر اللجوء الى استخدامه أو استخدام العنف أو الاحتكام اليه في ما قد يطرأ من خلافات، أياً كانت هذه الخلافات وتحت أي ظرف كان، بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية القائم على تصميم اللبنانيين على العيش معاً في اطار نظام ديموقراطي، وحصر السلطة الأمنية والعسكرية على اللبنانيين والمقيمين بيد الدولة بما يشكل ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الأهلي للبنانيين كافة”.
ألم يتعلم بعض الزعماء في لبنان، وخصوصاً الممثلين منهم في السلطة، أن حسم الخلافات يكون بالاحتكام الى المؤسسات الدستورية والشرعية وليس الى الشارع لئلا يقابله شارع؟
ألم يسأل الداعون الى التظاهر الى أين يذهبون بلبنان خصوصاً وسط البركان المتفجر في المنطقة فيفكرون بطريقة حمايته من نيرانه ليس بتعيينات لا تعيد حقوقاً، بل تعود بانتخاب رئيس للجمهورية ينهي كل الخلافات التي تعطل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب؟ ألم يفكر الداعون الى التظاهر بما بعد التظاهر؟ ألم يفكروا بمصير لبنان ومصير اللبنانيين وان شعب لبنان العظيم، كما كان يصفه العماد عون وهو يخاطبه من قصر بعبدا، هو غير الشعب الذي يأتيه اليوم الى الرابية، وانه لن يبقى عظيماً وقد تعب منهم ويريد أن يعيش بأمن وأمان واستقرار كي يبقى في أرضه ولا يهاجر بحثاً عن لقمة عيش، أو يهجَّر بقوة السلاح وبأعمال العنف… واذا كان الشارع ذهب بلبنان الى “اتفاق القاهرة” ثم الى”اتفاق الطائف” وبعده الى “اتفاق الدوحة”، فإلى أين سيذهب به الداعون اليوم الى التظاهر؟ هل يذهبون به الى “طائف” جديد، أو الى “دوحة” جديدة، أو الى زوال؟!
إن لبنان عندما يصبح على مفترق خطر يفترض بالقيادات السياسية والاقتصادية والدينية ان تهب لانقاذه إذا ظلت الدول الصديقة والشقيقة منشغلة عنه بما هو أهم منه في المنطقة، وذلك إما بالاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، وإما بالنزول الى مجلس النواب لتنتخب الأكثرية المرشح الملائم للظرف الملائم. أما أن يظل انتخاب الرئيس معطلاً فيعطل معه عمل الحكومة وعمل المجلس، فهذا أشبه بذاك الرجل الذي أراد إخراج رأس الحصان من “الخابية” فقطع رأس الحصان ثم كسر الخابية…