ثمة شارع واحد في لبنان يمكنه بل يتوجب عليه ان يتحرك ويُعلي الصراخ هو شارع أزمات الناس، وكل تحرك لشارع آخر محمول بخلفيات طائفية أو مذهبية أو جهوية لن يكون الا فتيل إشعال لذاك المعلوم – المجهول الذي ظن اللبنانيون أنهم نجوا منه مراراً في السنوات الاخيرة. شارع الناس وأزماتهم غالبا ما شكل ويشكل شارع توحيد ووحدة، اما شوارع المذاهب والطوائف فلا تحمل الا الشرور المستطيرة. نقول ذلك من خوف يتنامى بقوة جارفة جراء التفلت الذي اشاعه العمل المشبوه في سجن رومية موثقاً وحشية امنية وقعت تحت صناعة غرفة معتمة عممها التسريب المفخخ على شوارع ملتهبة بدل الذهاب بها الى غرف القبض على المشبوهين. ذاك الشريط، أيا كان المتورط في مؤامرته، صنع ايجابية يتيمة اذا كان يجوز الكلام عن ايجابيات، وهي انه أضاء الانذار الاخطر اطلاقا حيال شارع سني ملتهب يغلي بشتى انواع الاحتقانات بما لا يقاس مع تجارب سابقة. وهو إنذار لا يعني الشارع المستهدف بمؤامرة التفجير وحده، سواء قصدا أو بفعل أرعن، بل كل شوارع “الآخرين” في البلد الذي يزهو بأنه نموذج “طبيعي” جاهز للتقسيم الواقعي تحت مسميات ملطفة.
لكأن دس هذا الشريط جاء بمثابة اطلاق الرصاص على ارجل من دسه وكذلك على الشارع المتوثب للاشتعال بما يفترض معه تبديل الحسابات تبديلا جذريا حيال خطورة التمادي في الاستهانة بواقع هذا الشارع الذي إن أسقط متراس الاعتدال الاخير فيه لن يرغب اي لبناني في تصور نتائج الانفجار الذي سيولده.
لذا ترانا نتساءل: هل كان يراد اسقاط الوزير نهاد المشنوق شخصيا بمعادلة لبنانية صرفة ام بما يتجاوزها الى معادلة تطل برأسها على لبنان لالحاقه بالفصول الاخيرة من الانهيارات السورية بما يفتح الباب على غاربه على افتراس التطرف للشارع السني اللبناني وتسديد الضربة القاتلة للاعتدال؟
وإذا كان “تيار المستقبل” وزعيمه الرئيس سعد الحريري باتا الآن عبر استهداف وزير الداخلية في عين الاختبار الحاسم للصمود دفاعاً عن المتراس الأخير للاعتدال السني والوطني المنفتح، فماذا عن الشركاء الآخرين وسلوكياتهم في الدفاع أيضاً عن كل اعتدال في كل الشوارع على قاعدة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”؟
لا ترانا في حاجة الى إنعاش ذاكرة احد حيال حقيقة لبنان الذي تشكل شوارعه الطائفية والمذهبية والمناطقية أوعية متصلة ذات كيمياء سريعة الاشتعال في تأثير الواحد منها على الآخر، وهي حقيقة لا تصمد عندها كل اوهام الذين اعتقدوا ويعتقدون ان في إمكانهم التحكم بشوارعهم وخصوصياتهم والنأي بها عن الآخرين فيما حقيقتهم انهم يسبحون في عوالم خداع الذات والضحك على ذقونهم هم لا سواهم.