كلّهم، تقريباً عرضوا عضلاتهم في الشارع في محاولة لاختبار القوى، لقد حاول كلُّ من الأطراف أن يظهر قوته. والوسيلة كانت الشارع. بدأت حفلة عرض القوى بتظاهرة حرّكها الحزب التقدمي الاشتراكي قبل 36 ساعة من نزول الناس الى الشارع. وتميّز ذلك الحراك بخطاب ناري للوزير وائل أبو فاعور الذي غادر جلسة مجلس الوزراء في الشارع وتوجه الى ساحة رياض الصلح حيث «افتتح» الحملة على رئيس الجمهورية مطالباً برحيله.
ثم كان النزول الكبير الى الشارع في 17 تشرين الأول الجاري في ثورة غير مسبوقة في هذا البلد. حاول البعض أن يستغل هذه الانتفاضة الكبرى… فطردهم الشعب. فانكفأ الاشتراكيون، وتراجع الكتائبيون الى دائرة ضيّقة في بعض أنحاء المتن، واستأثر حزب القوات اللبنانية بجلّ الديب وبعض الطريق الدولي في جونية.
الرئيس سعد الحريري لم يستطع أن يتجاهل الحراك، فتقدم بإستقالته في ما وُصف بأنه تصرّف مفاجئ، ليتبين أنه كان مفاجئاً للرئيس ميشال عون وحده… إذ لم يكن مفاجئاً للرئيس نبيه بري الذي نصح بعدم الاستقالة فلم يتجاوب الرئيس الحريري، كما لم ينتهِ اللقاء مع موفد حزب الله الى بيت الوسط الى نتيجة إيجابية… فكانت الاستقالة معلنة في بيت الوسط لتأخذ مداها الدستوري بتقديمها إلى الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا. ولـمّا أدرك شارع الحريري أنّ ثمة ضبابية حول عودته تحرّك من برجا إلى برالياس مروراً بالعاصمة بيروت وصولاً الى طرابلس وعكّار… وكانت الرسالة واضحة وأسفرت عن تثبيت المعادلة الآتية: لا حكومة جديدة إلاّ برئاسة سعد الحريري أو بمن يقرّره الشيخ سعد.
أمس جاء دور الوزير جبران باسيل ليعرض عضلاته في الشارع. صحيح أنّ التظاهرة الكبيرة التي نظمت أمس بمشاركة التياريين والعونيين الآتين من مختلف المناطق اللبنانية كانت مقررة سلفاً لمناسبة بدء السنة الرابعة من الولاية، إلاّ أنّ توقيتها جاء متلازماً مع سياق الشارع. وكانت خلاصتها لا حكومة من دون جبران وحده.. فإما الجميع خارجاً أو المشاركة لا تقتصر على طرف واحد، وبالتالي الاستثناء لا يكون مستهدفاً طرفاً واحداً. ولكن، على أهمية التظاهرة، هل ثمة قدرة على تحقيق الهدف السياسي المرجو منها؟!
وأمّا الثنائي الشيعي فقد «لعبها» بما شهدته ساحة رياض الصلح أوّلاً ثم «الرينغ» ثانياً، ومن ثم عين التينة ثالثاً حيث أقام أنصار الرئيس نبيه بري سوراً بشرياً حول مقرّ الرئاسة الثانية، فانكفأ الداعون إلى اعتصام هناك، ولم يجرِ هذا الاعتصام كما كنا تمنينا في عجالة سابقة، دفعاً لمواجهة قد لا تكون عقباها محمودة.
… وبعد الجميع عرضوا عضلاتهم في الشارع. فماذا بعد؟ الثورة مصمّمة على المضي، ولم يتلقف القائمون بها «عاطفة» الرئيس عون بقوله أمس: «أنا أحبكم، أحبكم، كلكم… كلكم يعني كلكم». فأصرّوا على أن يستقيلوا أو أن يسقطوا «كلّن… كلّن». وبالتالي كيف يكون الحل أمام إصرار الأطراف كلها، من الشارع الى المقرات الرسمية، على عدم التراجع؟!