كسب المعترضون على إقامة مرأب للسيارات تحت الأرض في ساحة التل وسط طرابلس جولة ثانية في مواجهة مؤيديه، بعدما استطاعوا أمس تأمين حشد واسع من معارضي المشروع، وتنفيذ إعتصام مفتوح، وكسب تأييد قوى سياسية داعمة لوجهة نظرهم، في موازاة عدم جرّ الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى الإصطدام معهم، بعدما كان محافظ الشمال رمزي نهرا قد أكد بعد اجتماعه إلى رئيس بلدية طرابلس عامر الرافعي، قبل يومين، أن المشروع «سيبدأ تنفيذه بمواكبة أمنية».
كان ذلك «التهديد» كافياً كي يستنهض الناشطين المعارضين للمشروع، وأن يسارعوا قبل ساعات من بدء الشركة المتعهدة عملها صباح أمس، إلى الاعتصام في الساحة ونصب خيم اعتصام ناموا فيها ليلاً، ومن ثم تجمّعهم بكثرة صباح امس وسط الأعلام اللبنانية والأناشيد الوطنية، وفي غياب تام لعمال الشركة الذين كانوا قد غادروا الساحة يوم الأحد الماضي.
هذه التطورات التي كانت تسير عكس رغبات مؤيدي مشروع المرأب، كان قد سبقها أيضاً إجتماع عاصف لبلدية طرابلس، حيث وجّه بعض الأعضاء إنتقاداً للرافعي لأنه «لم يسبق للبلدية أبداً أن طلبت من الجيش والقوى الأمنية مواكبة من هذا النوع تضعنا بمواجهة أهلنا في المدينة»، بحسب عضو البلدية عزت دبوسي، الذي طالب «ببدء العمل بالمخطط التطويري لمنطقة التل قبل مباشرة العمل بالمرأب». وأدى السجال إلى تطيير الاجتماع، بعدما طالب الرافعي بالتأكيد مجدداً على قرار البلدية تنفيذ مشروع المرأب، ما دفع عضو البلدية خالد صبح إلى أن يقترح «إتخاذ قرار بإيقاف العمل بالمشروع حتى الإنتهاء من إنجاز الخرائط الهندسية المتعلقة بتطوير منطقة التل»، مشيراً إلى أن «التأخير في إنجازها أفقدنا صدقيتنا أمام الرأي العام الطرابلسي، الذي وعدناه بمخطط تطويري مواز للمرأب، لكن من غير أن يلمس أو نلمس نحن أيضاً معه أي شيء عملي بسبب البيروقراطية».
وسط هذه الأجواء كانت وفود المشاركين إلى منطقة التل تصل تباعاً، على وقع إنتقادات طاولت تحديداً الرئيس سعد الحريري الذي ضغط لتنفيذ المشروع، ووزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس الذي اتهم بأن «حماسته للمشروع تنطلق من كونه محامي الشركة المتعهدة تنفيذ المشروع».
منسق «حملة طرابلس مدينتي» سامر دبليز الذي كان أحد الناشطين البارزين في هذا المجال، لفت إلى أن «هناك شكاً كبيرا في قدرة البلدية على حسن إدارة وضبط المشروع، والشواهد في المدينة تعد ولا تحصى»، وسأل: «هل المرأب المنوي تنفيذه بكلفة 18 مليون دولار يمثل حاجة قصوى للمدينة، واذا كان الجواب نعم فهل المرأب جزء من خطة متكاملة فعلية وحقيقية لإعادة تنظيم منطقة التل والمحيط، وهل هناك حلول أخرى لركن السيارات، وما هو مصير سيارات الأجرة التي بمعظمها مخالف، وكيف سيجري تنظيمها خلال فترة إنشاء المشروع خلال 3 سنوات وبعده، وخاصة أن القرار البلدي رفض إشغالها للمرأب، وأنه خلال 3 سنوات من العمل سيغلق قسم من وسط المدينة حكماً، فماذا بالنسبة إلى التجار ووضع الطرقات؟».
ولفت دبليز إلى أن «4500 شاحنة على الأقل ستعمل ذهاباً وإياباً لنقل فقط رمل الحفر، فكيف ستسير بشوارع المدينة المزدحمة أصلاً، بدون ذكر باقي المعدات والآليات خلال فترة الإنشاء، وأن نحو خمسين ألف متر مكعب من الرمل على الأقل ستستخرج نتيجة الحفر، سعرها لا يقل عن 450 ألف دولار، فمن هي الجهة التي ستستفيد من هذا المبلغ؟».
هذا التحرّك لم يكن بعيداً عن مواكبة قوى وتيارات سياسية له، متحفظة أو معارضة لمشروع المرأب، وهي لم تكن بعيدة عن دعم غير معلن للتحركات الميدانية ضده في الشارع من قبل المجتمع المدني. فالوزير السابق فيصل كرامي رأى أن هذا المرأب «ليس قضاءً وقدراً، وهو لن يمرّ إلا من ضمن مشروع إنمائي متكامل يشمل تأهيل وسط المدينة»، مشيراً إلى أن «طرابلس بحاجة لأن ينفق فيها كل قرش في مكانه الصحيح، وقطعاً فإن هدر 20 مليون دولار على مرأب ليس المكان الصحيح لهذه الأموال».
بدوره، إقترح خلدون الشريف مستشار الرئيس نجيب ميقاتي «توقف السجال حول المرأب إلى ما بعد الإنتخابات البلدية،، وليكن أحد العناوين الإستفتائية في الإنتخابات»، مؤكداً أنه «ضد هذا المشروع الخنفشاري الذي لم يقنعني أحد به، وأهل مكة أدرى بشعابها».