تكشف مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو، أن روسيا أبلغت الرئيس السوري بشار الأسد بشكل واضح وصريح، ضرورة تعاونه مع العلمية السلمية بصورة كاملة، والمساهمة في تحقيق الخطوات المطلوبة لتنفيذ القرار 2254 حول الحل في سوريا.
جاء ذلك قبيل التئام التفاوض السوري في جنيف أخيراً، بحيث تتوالى الضغوط الأميركية والروسية من أجل إنجاح المباحثات السلمية. فضلاً عن أن التوافق الأميركي الروسي السائد حالياً حول سوريا تحديداً يجب بالنسبة الى الطرفين الدوليين الالتزام الكامل به. وعلى الرغم من أن روسيا دعمت النظام للوقوف على رجليه بعدما كان على شفير الانهيار، لكنها تريد منه الآن الالتزام بالعلمية السياسية التي تحدد خطوات واضحة لتشكيل حكومة في الأول من حزيران المقبل، ووضع دستور جديد في آب، وإجراء انتخابات رئاسية في 2017.
ومن المؤكد أن الروس يمسكون بأوراق اللعبة السورية جيداً، وفقاً للمصادر، وأكثر من أي وقت مضى. وبات مستقبل سوريا بيد الروس وتفاهمهم مع الأميركيين مئة في المئة، أما بقية الأطراف الدولية والاقليمية ذات العلاقة بالملف السوري، فإن تأثيرهم يبدو محدوداً. وقد أكدت زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لموسكو أخيراً، هذا الأمر، ووضعت خارطة طريق لكي يتم تنفيذها بمنتهى الدقة والتفاهم معاً بغض النظر عمّا تريده إيران في هذا الملف وطموحاتها، وكل الأطراف الأخرى، تدرك تماماً انه أمام التوافق الروسي الأميركي، سيكون تأثيرها محدوداً. إيران متورطة بالوضع السوري، لكن لولا التدخل الروسي لما تمكن النظام من الصمود، هذا الأمر يدركه النظام، وتدركه إيران بصورة واضحة.
وفي إطار العملية السلمية السورية، توافق روسيا على المراحل التي يقطعها الانتقال السياسي وفقاً للقرار 2254، على أساس أن السوريين جميعاً سيشاركون في الانتخابات بمن فيهم الموجودون في الخارج وأكثريتهم ضد النظام. وهذا المنحى تلتزم روسيا بالموافقة علنية وهو الأمر المتفق حوله مع الأميركيين مثلما هو متفق حول دعم العملية السياسية.
وروسيا تأمل أن يسلك النظام بإيجابية ويلتزم بمقتضيات التفاوض والقرار 2254، إذ إن دورها على المحك بالنسبة الى الولايات المتحدة ولا تقبل بأن تتم خردقة اتفاقها معها والالتزام به من قبل النظام، وسيحتم أيضاً احتراماً له من إيران، ما ينعكس على أدائها في سوريا وفي عدد من ملفات المنطقة التي يجب تهدئتها بالتزامن.
وتفيد المصادر، ان المشكلة أساساً في التفاوض السوري، هي ظروف المد والجزر التي يعاني منها خصوصاً بسبب مواقف النظام والوضع الميداني. لكن حالياً يبدو أن التفاهم الأميركي الروسي قائم، والضغوط التركية الخليجية معقولة. انما العملية التفاوضية ليست بالأمر السهل، وإذا مر الوقت من الآن وحتى الانتخابات الأميركية وتسلم الرئيس الجديد منصبه في كانون الثاني المقبل، ولم يحرز التفاوض تقدماً جوهرياً، فان الغموض سيلف الوضع السوري وكذلك مزيد من المخاطر، والمرحلة التي تفصل من الآن وحتى الوصول الى ادارة جديدة في الولايات المتحدة ضيقة وقريبة. ما يستدعي العمل الجدي لحصول اختراق قبل الاستحقاق الاميركي.
واحراز التقدم الجوهري، في التفاوض مربوط مباشرة بمدى قوة التفاهم الاميركي الروسي. فضلاً عن انه مربوط ايضاً، بصمود وقف النار على الارض، وهما عنصران اساسيان، لان اي فشل في وقف النار بالتزامن مع اي تراخ في تطبيق التفاهم، سيعرض العملية السياسية للفشل. عادة، التفاوض يحصل في ظل وقف النار الكامل، او تحت ضغوط عسكرية في ظل وقف نار هش، ومقاييس متقلبة للقوى على الارض.
والاسهل والافضل في هذا الملف، ان يتم تحقيق اختراق جدي في التفاوض قبل صول ادارة جديدة في واشنطن. لان اي ادارة سيلزمها وقت للتعرف الى كافة الملفات الخارجية ومن بينها الملف السوري. فضلاً عن ان العلاقة بين روسيا واية ادارة مقبلة ليست واضحة منذ الآن، فقد تأتي ادارة متفاهمة مع الروس، وقد تأتي ادارة معادية لهم. ما يخربط الامور حول سوريا، ويزيدها تعقيداً، خصوصاً لدى تزامن كل ذلك مع تصعيد على الارض. وهناك نقاش داخلي اميركي حول سياسة الرئيس باراك اوباما في سوريا، فهناك من يؤيد «التطنيش» الحاصل، وهناك من يرفضه ويريد تدخلاً حاسماً. وليس واضحاً منذ الآن اية ادارة ستأتي، وكيف ستتعاطى مع الازمة السورية؟