و«رسالة» الصاروخ أهم من تأثيره وقوّته التفجيرية. وتلك تريد الإيحاء بدوام قوة، تضمر وتتراجع في الواقع وليس العكس.. عدا أنّها (الرسالة) إيرانية المصدر ومزدوجة الهدف المُرسلة إليه: إلى السعودية وقيادة التحالف في ضوء الإصرار على مواصلة دعم قوات الشرعية في تقدّمها باتجاه مناطق سيطرة الجماعة الحوثية وإجهاض ما تبقّى من مقوّمات النفوذ الإيراني. وإلى الولايات المتحدة التي أكدت على لسان مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة السفيرة نيكي هايلي، ما سبق للسعودية أن أعلنته، عن أبوّة (وأمومة) إيران للصاروخ الذي أُطلق الشهر الماضي باتّجاه «مطار الملك خالد الدولي» في الرياض أيضاً.. وأعلنت الاستمرار في تحشيد وتجميع المواقف والمبادرات والإجراءات، إقليمياً ودولياً، لمواجهة سياسات طهران وارتكاباتها في عموم المنطقة.
وفحوى «الرسالة» الصاروخية يتآلف مع المنطوق الإيراني العام، الذي سعت بموجبه ووفق أحكامه، مشاريع التمدّد وادّعاء النفوذ والاقتدار من أفغانستان إلى ضفاف البحر المتوسّط. وذلك يفيد بأنّ طهران «فهمت» كلام وزير الدفاع الأميركي الجنرال ماتيس، أكثر بكثير ممّا فهمت توعّدات السفيرة هايلي! ولبّ ما قاله قائد «البنتاغون» هو أنّ سقف التحركات الأميركية يقع تحت الخيار العسكري وليس فوقه! أي إنّ واشنطن ستتابع معارك الحرب الناعمة «بلا هوادة»! ولن تلجأ إلى استخدام قوتها وأسلحتها النارية رداً على ما تفعله إيران ميدانياً!
وتلك شيفرة فكّت طهران طلاسمها منذ زمن السيّئ الذكر باراك أوباما. وأولى خلاصات ذلك: إن واشنطن تحكي وتهدّد وترعد وتزبد فيما يتابع «فيلق القدس» سيره على الأرض مطمئنّاً! وعارفاً ومتيقّناً مسبقاً من «حدود» الموقف الأميركي المضاد! وملتزماً شروط ذلك، أي عدم التعرّض المباشر للأميركيين لا في العراق، ولا في سوريا، ولا في مياه الخليج العربي ولا في بحر عُمان، ولا في أيّ نقطة برّية أو بحرية أو جوّية أينما كانت!
على أنّ «الموقف» الأميركي ذاك، لا يتعلّق فقط بطبيعة التحركات العسكرية الأميركية، وإنما أيضاً (على ما يبدو!) ببعض تحركات وخطط المتضررين المباشرين من الاعتداءات الإيرانية على أمنهم وسيادتهم واستقرارهم! وفي ذلك ما تفهمه طهران على طريقتها! وتشتغل بموجبه على الأرض.. وعلى إحداثيات الصواريخ!
لكن ما يعكّر سعي إيران العدواني تحت ذلك السقف، هو أنّ الجانب العربي، المُعتدى عليه، في اليمن وفي الرياض وفي الخليج العربي عموماً، يتحرّك دفاعياً وليس هجومياً. ويتصدى بنفسه للأخطار التي تهدد أمنه القومي. وهو فعل ذلك (لمن يتذكر) عند إطلاق «عاصفة الحزم» ضدّ الانقلاب الإيراني في اليمن إبّان عهد أوباما! وقبلها عند دعم الشرعية في البحرين على مواجهة محاولة إنقلابية شبيهة بتلك الحوثية! ولا يزال يعتمد ذلك النهج مُستنداً إلى حقوقه الطبيعية والشرعية بداية، ثمّ إلى تفهّم دولي عام لموقفه من جهة، ولمخاطر «المشروع» الإيراني من جهة ثانية… برغم غياب التناسق بين «مواقف» إدارة دونالد ترامب و«أفعالها».
يدافع الخليجيّون عن أنفسهم بأنفسهم. وسيستمرّون في الفعل المذكور، من دون أن تقدر صواريخ إيران «الحوثية» على تعديل ذلك الفعل، ولا على تغيير الموقف القائل بالاستمرار في دعم الشرعية اليمنيّة وخطواتها الميدانية باتّجاه الحديدة ثمّ صنعاء نفسها..
