تقوية الموقف اللبناني تجاه الخارج وإبقاؤه بعيداً عن تداعيات المتغيّرات الإقليمية
تفاهم الرؤساء عامل مهم لإستمرار تحييد لبنان ومواجهة التهديدات والمطامع الإسرائيلية
«وحدة الموقف اللبناني تؤسس لتعاطٍ دولي إيجابي مع مطالب لبنان ومشاكله الملحّة»
لا شك ان تفاهم الرؤساء الثلاثة على رؤية متقاربة لمواجهة الوضع الإقليمي المتدهور جرّاء التصعيد الخطير الذي حصل مؤخرا والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة ضد لبنان حول أكثر من مشكلة وملف خلافي، ترك ارتياحا بالداخل وفي نفوس المواطنين، لأنه أعطى انطباعاً بطي صفحة الخلافات التي سادت في العلاقات بينهما مؤخرا، وأكّد بوضوح على وحدة الموقف السياسي بين هؤلاء المسؤولين إزاء أي مخاطر محتملة تُهدّد لبنان وخصوصاً من العدو الإسرائيلي بالرغم من التباينات والخلافات التي تحصل بينهم حول أكثر من ملف داخلي كما حصل مؤخرا، لأن مصلحة الوطن أكبر من أي قضية وخلاف داخلي.
فظهور السلطة بموقف موحد في هذا الظرف الصعب بالذات والمنطقة على مشارف متغيرات واضحة، سيؤدي إلى إغلاق أي ثغر أو منفذ تستغله إسرائيل أو أي دولة أو طرف معادٍ للبنان للنفاذ منه لتبرير أي اعتداء على الأراضي اللبنانية أو تنفيذ مخططات هدامة كما حصل ابان انقسام اللبنانيين خلال الحرب الأهلية وفي فترات متفاوتة من التاريخ الحديث.
ليس هذا فحسب، فأهمية الموقف الرسمي اللبناني تدل من ناحية أخرى على ان الدولة اللبنانية هي المرجعية الوحيدة للتصدي أو مواجهة ما يُمكن ان يتعرّض له البلد من اعتداءات على أراضيه وحدوده أو ثرواته والجيش والقوى الأمنية اللبنانية وليس أي جهة أو تنظيم حزبي مسلح، باعتبار ان الدفاع عن الدولة هو من مسؤولية هذه القوى الشرعية وحدها وليس لأي طرف آخر ما دامت هذه القوى قادرة على القيام بهذه المهمة بمفردها.
فكما استطاعت الدولة بالموقف الموحّد وبقواها العسكرية والأمنية مجتمعة وبدعم وتكاتف القوى السياسية من حولها في مواجهة آفة الإرهاب التي انتشرت على مجمل الأراضي اللبناني بعد اندلاع الثورة السورية الشعبية بفترة وجيزة وتمكنت من القضاء عليها بعد ما فشلت كل الأحزاب غير الشرعية في مواجهتها والحد من خطورتها، فإن توحيد الموقف الرسمي مما يحصل حالياً قادر على الاستمرار في تحييد لبنان عن مخاطر الحرب الدائرة بسوريا بالرغم من مشاركة طرف لبناني وهو «حزب الله» في هذه الحرب، لأن مسرح هذه الحرب محصور بالأراضي السوري وحدها ولأن وحدة الموقف اللبناني تعتبر صمام أمان لمنع تمدد هذه الحرب الى الداخل اللبناني وأي انقسام أو تداعٍ لهذا الموقف الموحّد قد يؤثر سلباً ويضع لبنان أمام مخاطر لا يمكن التكهن بنتائجها.
كذلك، فإن تماسك الدولة ووحدة قرارها السياسي يُشكّل عاملاً مهماً ويقطع الطريق على أي جهة معادية للانطلاق من الاراضي اللبنانية وتنفيذ عمليات إطلاق الصواريخ أو أية أعمال أخرى، تعطي ذريعة للعدو الإسرائيلي للقيام باعتداءات ضد اللبنانيين كما كان يحصل من وقت لآخر.
ليس هذا فحسب وفي خضم محاولات إسرائيل لمنع لبنان من استغلال ثروته النفطية في أعقاب التهديدات الإسرائيلية ضده بهذا الخصوص، فإن مسارعة الدولة للرد على هذه المحاولات بوحدة الموقف الرسمي وبسياسة موحدة وبإصرار على مواجهة هذه التهديدات وعدم الاذعان لها، وطرح هذا الملف في إطار المساءلة الدولية، أضعف كثيراً زخم هذه المحاولات وأعطى لبنان الاحقية في استغلال ثروته النفطية ضمن سيادته الوطنية المشروعة بمعزل عن الاعتراضات والتهديدات الإسرائيلية المتكررة بهذا الخصوص.
وأهمية التفاهم وتوحيد الموقف بين الرئاسات الثلاث لن يقتصر فقط على القضايا الإقليمية ومواجهة التهديدات والمطامع الإسرائيلية فقط، بل يتعداه إلى تعاطٍ دولي مختلف مع قضاياه ومطالبه والتحسس بمشاكله أكثر من أي وقت مضى وخصوصاً في تسهيل انعقاد المؤتمرات الدولية التي يجري التحضير لها على قدم وساق لإعادة النهوض بالاقتصاد اللبناني من جديد والتخفيف من وطأة النزوح السوري الذي يضغط بقوة على الاقتصاد المحلي، لأن التحدث بموقف ولغة واحدة مع هذه الدولة وخصوصاً منها الفاعلة والمؤثرة سيعطي قوة وصدقية للموقف اللبناني أكثر من سماع خطاب وموقف داخلي منقسم على نفسه، وسيؤدي إلى الاستجابة لاحتياجات لبنان ومطالبه لتخطي مشاكله الاقتصادية ولتقوية قواه العسكرية والأمنية التي حققت إنجازات في مكافحة ظاهرة الإرهاب والحفاظ على الأمن والاستقرار على الأراضي اللبنانية بالرغم من تداعيات الحرب السورية السلبية ومخاطرها على لبنان.