الضغوط النفسية تُطاول الجميع صغاراً وكباراً
القلق بسبب جنون الدولار، الخوف من الصرف من العمل أو من عدم الحصول على الراتب، التوتر على أبواب المصارف…كلّها أكثر من كافية لزيادة الضغط النفسي أو الـ” Stress” الذي يعاني اللبناني منه. ولكن لا بد لليل أن ينجلي، وللأزمة أن تنتهي، وتبقى “صحتكم بالدني”، بشقيها الجسدي والنفسي فكيف يمكنكم تقوية مرونتكم النفسية وحماية أطفالكم من الاضطرابات؟
من منّا لا يعاني من الـ”Stress” في هذا البلد، وكم شخصاً لم يزر طبيباً ليبلغه بعد الانتهاء من الكشف: “معك”Stress”؟ فما قبل الأزمة الحالية “Stress”، وما بعدها “Stress” أكثر، حيث ارتفعت نسبة الضغط النفسي نتيجة التخوف من المستقبل وانعدام الاستقرار، والأزمة المعيشية الاقتصادية، الخوف المادي…ولا تستثني هذه التداعيات أحداً بمعزل عن عمره أو وضعه الاجتماعي. فالأزمة تطاول الجميع ولو بدرجات متفاوتة. وتختلف نسبة التأثر من شخص الى آخر بحسب تركيبة شخصيته الوراثية والجينية، وطريقة تحمله الضغط النفسي.
أزمة… على أكثر من صعيد
تبدو تأثيرات الأزمة الاجتماعية الحالية واضحة المعالم على الصحة النفسية وسلوك اللبناني، على أكثر من صعيد بحسب ما أوضح اختصاصي الصحة النفسية، المعالج النفسي والطبيب الدكتور ميشال نوفل قال لـ”نداء الوطن”: “لنبدأ على الصعيد الادراكي، حيث يؤثر الضغط النفسي على طريقة التفكير والمنطق، ما ينتج قرارات غير صائبة وغير سليمة أحياناً. ننتقل بعدها الى الصعيد العاطفي، حيث تكون العواطف والمشاعر حادّة وخصوصاً شعور الغضب والاحباط بسبب الخوف من المجهول. أمّا بالنسبة للسلوك، فنلاحظ الميل الى القيام ببعض العادات بشكل مفرط وبطريقة غير سليمة مثل الافراط بالاكل أو عدم تناول الطعام، النوم أو قلة النوم، الافراط باحتساء الكحول أو الأدوية أو تعاطي المخدرات. ولا تقتصر الأمور على بعض العوارض النفسية أو المسلكية فحسب، بل تؤثر الأزمة أيضاً على المستوى العضوي والفيزيولوجي للبناني، فيصبح أكثر عرضة لارتفاع ضغط الدم والسكري والاصابة بالحساسية، والضعف في المناعة وبالتالي الاصابة بمختلف الأمراض”.
انتبهوا لهذه المؤشرات
إن كنتم تظنون أنّ الأهل أو الكبار في السن هم وحدهم المعرضون للضغوط النفسية، فأنتم مخطئون؛ فالمراهقون وحتّى الأطفال عرضة للتأثيرات النفسية الناتجة عن الأزمة اللبنانية. تشرح الدكتورة كارول سعادة، اختصاصية في علم النفس العيادي عن هذا الموضوع لـ”نداء الوطن” قائلةً إنّ “الأطفال والمراهقين غير مستقرين نفسياً، ويرتبط نظامهم النفسي بالعائلة بشكل بسيط، وبالمجتمع بشكل أوسع. ويحب الأطفال بطبيعتهم الحياة والفرح واللعب… الّا أنّ الضغط الحالي الذي تعيشه العائلات وتنقله للأولاد عن غير قصد، اضافةً الى المعلومات التي تصل الى الطفل والمراهق ان كان من وسائل التواصل الاجتماعي أو التلفزيون، يمكن أن تسبب اكتئاباً للولد الذي تتجمع عنده المعلومات بطريقة غير واضحة، وتؤدي إلى مشاكل نفسية متعددة”.
يتحمّل الأهل مسؤولية اكتشاف التغيرات النفسية عند أولادهم من خلال ملاحظة بعض العوارض التي تعددها د. سعادة:
عند الطفل:
– تراجع علامات المدرسة (أول مؤشر يظهر عند الطفل).
– مشكلة في التركيز.
– التذمر والبكاء.
– فقدان أو زيادة في الوزن.
– اضطرابات في النوم.
– التبول والتبرز اللاارادي.
عند المراهق:
– التهور في التصرفات.
– تعاطي المخدرات او الكحول.
الاضطرابات القلقية (تظهر عند الطفل والمراهق) ومن علاماتها:
– الخوف من كل شيء.
– الانعزال.
– الوسواس القهري.
– الفوبيا الاجتماعية.
– الكوابيس ليلاً.
ومن الضروري أيضاً الانتباه الى الكآبة المخفية الملامح، والتي لا تُظهر أي من العوارض الآنف ذكرها (بالنسبة إلى الأطفال أو المراهقين)، وينتج عنها اضطرابات نفسسية وجسدية في آن من دون أي سبب عضوي فيصاب الطفل أو المراهق بالحساسية والآلم في الأمعاء والاسهال والتقيؤ… ويرتكز العلاج الأولي على الأهل من خلال الحوار لمعرفة سبب قلق طفلهم، والإجابة على كل أسئلته بواقعية من دون كذب أو تهويل، ولطرح الحلول البديلة ليشعر الولد أنّ أهله هم برّ الأمان”.
تطبيقات لتقوية “النفسية”
اذاً، الضغوط النفسية الناتجة عن الأزمة اللبنانية ( الحديثة)، لا تستثني أحداً، وتختلف قدرة تحمل هذه الضغوط أو ما يعرف بالمرونة النفسية من شخص الى آخر بحسب تركيبة شخصيته وقدرته على التعامل مع المشاكل وتجاوز الأزمات. ويوفر العلم امكانية تطوير هذه المرونة من خلال تطوير الوعي النفسي والادراكي وادارة الأفكار والمشاعر، بحسب الاختصاصي في علم النفس التطبيقي والكوتشينغ ميلاد حدشيتي الذي اعتبر أنّ “بعض الأشخاص الذي يواجهون ضغطاً نفسياً غير قادرين على رؤية الأمور بايجابية، ما يزيد عندهم الأفكار السوداء والانتحارية، وتنخفض انتاجيتهم ويشعرون كأنهم محجوزون داخل نفق معتم. نعطي مثلا عن لبناني طرد من عمله، وبدأ هذا الموضوع يؤثر على حياته الاجتماعية والزوجية والعائلية. الانسان الواعي يجب ألّا يدع مشكلة واحدة تؤثر على أمور اخرى في حياته، ويجب التمتع بما يعرف بالاتزان النفسي. ولكن ليس الكل مؤهل للتفكير بهذه الطريقة، لذلك يلعب المحيط دوراً اساسياً لمساعدة المريض وملاحظة بعض العوارض الجدية التي يمكن أن يصاب بها كالتعب والارهاق والقلق. كما يجب النظر الى الصعوبات كتحدٍ يجب تخطيه وليس كخطر يهدد استمرارية الحياة. وهذه النظرية يمكن التدرب لتحقيقها بمساعدة الاختصاصيين ومن خلال التطبيقات المخصصة لتطوير المرونة النفسية والتي يوفرها علم النفس الايجابي:
– اعادة تقييم الامور التي نعيشها.
– تقنيات الاسترخاء والتنفس (تساعد على اعادة برمجة التوازن الداخلي).
– البحث عن استراتيجيات التعامل البناءة (مثلاً بالنسبة للشخص الذي طرد من عمله، بدل الاستسلام يحب أن يزيد اصراره للبحث عن اي عمل حتّى لو كان من خارج اختصاصه).
– التفاؤل والتفكير بامور واحتمالات ايجابية.
– الامتنان (اعادة النظر بالامور الجيدة التي نتمتع بها (صحة، عائلة، أصدقاء) بدل أخذها بضمانة. وتشير الدراسات النفسية الى أنّ الشخص الذي يشعر بالامتنان، هو شخص متزن وصلب داخلياً أكثر من الذي يأخذ كل ما يملكه بضمانة دائمة.
بالطبع، لن تحل هذه التطبيقات الأزمة المتعددة الأوجه ولكنها تساعدنا على مواجهتها بقوة، ويمكن للفرد أن يساعد نفسه من دون مساعدة الاختصاصي عن طريق الابتعاد عن بعض الممارسات السلبية التي يخضع لها دماغنا وتؤثر علينا من دون معرفتنا، وينصح حدشيتي في هذا السياق بـ”التقليل من سماع نشرات الأخبار، الابتعاد عن التذمر الدائم و”النق”، عدم الجلوس مع من لديهم طاقة سلبية، الابتعاد عن الأحاديث التي تدور حول الأزمة. كذلك، الابتعاد النهائي عن الكحول والتدخين، ممارسة الرياضة، المشي في الطبيعية وسماع الموسيقى، الصلاة نظراً لأهمية الروحانيات، التخفيف من كل ما ينتج عنه طاقة سلبية، التطوع للأعمال الخيرية خصوصاً لمن فقد عمله ليشعر أنه ما زال فعالاً ومنتجاً في المجتمع”.