(قبل خمسين عاماً بالتمام والكمال شكَّلت مسرحية “إضراب الحرامية” أيقونة فنية لنضال الأشقر. هذا فقط للتذكير).
على أي حال، مرَّ الخميس بسلام. كان يمكن لإضراب المنظومة الفاسدة ضد بعضها بعضاً أن يكون عنيفاً، فتتحرك مواكب الأتباع لتعيث في الطرقات وتملأ الفضاء بدخان الدواليب مقتربة من طريق بعبدا، التي تحولت هدفاً أساسياً بعد حفلة التناحر الرئاسي.
لا يستحق بشارة الأسمر واتحاده العمالي الوهمي أن يُذكرا كثيراً في مناسبة اليوم “التاريخي” الذي دعَوَا إليه “جماهير” العمال والمستخدمين وتجاوبت معه ايضاً طائفة جمعية المصارف “الكريمة”!. فمصداقية الاتحاد من مصداقية الولاءات والارتباطات. ولولا سلوك الانحياز والتبعية الذي طبع مسيرة النقابات المنضوية فيه لما فقَد فعاليته ومبرر وجوده. لكن يمكن للأسمر ان يحمد ربَّه مثنى وثلاث ورباع إذ لم يُتخَذ تحرك الاتحاد هذه المرة ذريعة لتنفيذ “7 أيار” جديد، لا لعفة في نفس أصحاب ذاك “اليوم المجيد”، بل لاختلاف الظروف ووقوع الاشتباك بين “عين وأختها”.
كان يوم عطلة تافهاً بكل المقاييس. الأسمر يخطب في حفنة مناصرين، وأحزاب السلطة تشارك “على الخفيف” بالبيانات وبفتيان “بالروح بالدم نفديك يا زعيم”، لأن التجاذب الرئاسي وحرب البيانات المكتوبة بنزق المراهقين تصدَّرا الرغبة في توجيه “ريموت” الاتحاد وتحويل الإضراب المطلبي يوماً للاصطفاف السلطوي.
فشِل الاضراب بكل المقاييس. بحجم التفاعل والتأثير وبالانطباع الفعلي بأن الاتحاد العمالي فاقدٌ لحرية الضمير. أما مقتل التحرك الحقيقي فهو تغييب الخصم وتعميم المسؤولية والتوجّه الى “السلطة والسياسيين”، وكأنهم بلا وجوه ولا أسماء ومناصب أو كأن اللبنانيين بعد 17 تشرين لا يزالون جاهلين من سرقهم في التلزيمات والاتصالات والكهرباء وأثرى على حساب المال العام، ومن تآمر على ودائعهم وجنى عمرهم وباع السيادة والأمان من اجل الكرسي والمال.
والمفارقة أن ما قاله بشارة الأسمر لادعاء استقلاليته صحيح. فلو أرادت أحزاب المنظومة “توليع” الشارع لاستصدرت “أمر عمليات” ولاحتل مناصروها المفارق غير آبهين لا لقوى أمنية ولا لجيش لبناني. لكن الأسمر غفل عن أن اليد التي فوق يده فوقَها يدٌ أيضاً وأن لتلك الأحزاب ضابطَ ايقاع اسمه الصريح “حزب الله”، حال دون تجاوزها “الخط الأحمر” إزاء ما تبقى من غطائه المسيحي الضئيل.
يوم زائد وسخيف. لا الاتحاد العمالي تقدم خطوة في اتجاه تحقيق المطالب ولا بعض أحزاب المنظومة شفَى غليله من ساكن قصر بعبدا مستثمراً التحرك في إطار التناتش الحكومي. لكنه يوم مفيد لجهة تظهيره تنازُع المافيا على كل صعيد مؤكداً أن قوة التغيير تكمن في روح المواطنية التي بثتها ثورة 17 تشرين، سواء لجهة كسر التابوهات وفضح كل سارق وزعيم والمطالبة بإعادة تكوين السلطة، أو لجهة تحديد الوجهة نحو عملية إنقاذ جذرية عنوانها استعادة السيادة وتأمين حياد لبنان على المدى الطويل.