يبدو ان لبنان بات في قلب المواجهة، فيما العالم يتوجه للحشد ضد الارهاب، وسط تداخل ملفاته الامنية وتشابكها، من عرسال التى استعادت صدارة المشهد الامني من بوابة المداهمات لمخيمات النازحين على خلفية تحركات مشبوهة لبعض السوريين فيها، الى طرابلس، القابعة على جمر الفتنة تحت رماد المعالجات، والمنشغلة في محاولة احتواء اوضاعها ظل التعرض اليومي لعناصر المؤسسات العسكرية والامنية. محطات واحداث لافتة على حدّ قول مصادر سياسية متابعة في توقيتها المتزامن وجغرافيتها التي يغلب عليها طابع مذهبي معين، يخشى معهما اشتعال المواجهات، الذي تركز الجهود المحلية والخارجية على تجنيب البلاد الوقوع في فخها وجر الجيش اليها، ما دفع بالعماد جان قهوجي الى زيارة المفتي دريان، خاصة ان الحوادث الامنية تتخذ، من ملف العسكريين الاسرى، الذي بدأ ينذر بعواقب وخيمة فيما لو استمرت الممالطة وتأخر احتواء مضاعفاته بمعالجات جذرية على أعلى المستويات، ستارا لها.
فدوامة الحوادث الامنية التي انطلقت من عرسال بينت تحول البلدة الى صندوق بريد، اذ استغربت مصادر في «تيار المستقبل» حصول «التصعيد» الاخير عقب اعلان وزير الداخلية عن امكان السير «بالمقايضة استنادا الى القوانين المرعية الاجراء»، بعد دخول الرئيس سعد الحريري على خط الاتصالات الجارية المتعلقة بالملف العرسالي ككل، متحدثة عن «قطبة مخفية»، مشيرة الى ان التقارير الامنية تؤكد ان الوضع تحت السيطرة ولا يثير مخاوف كبيرة في ظل الحصار المفروض على الجماعات المسلحة والطوق المفروض حول عرسال بعد تمكن الجيش من عزلها عن الجرود والسيطرة عليها بالنار، ما يفقد تلك المجموعات قدرتها على القيام باعتداءات واسعة، ما يعزز التساؤلات حول مغزى العمليات الامنية المنفذة خلال الساعات الماضية والتي اعادت موضوع الاسرى الى نقطة الصفر .
من جهتها، اكدت مصادر امنية، ان المداهمات التي نفذتها الوحدات العسكرية جاءت بعد تمكن الاجهزة المعنية من رصد «محرك ومحرض» النازحين الذي يعمل بالتواطئ مع «داعش» و«جبهة النصرة»، وبعد الحصول على الغطاء السياسي والسني، فجرى التعامل مع الوضع من منطلق المضي في التضييق على التنظيمات الارهابية بشكل متواصل، بعد الضربات النوعية التي سددها سلاحا الجو والمدفعية للمسلحين المتمركزين في الجرود طوال الايام الماضية، لافتة الى ان هذه المداهمات ستستمر وتتوسع طالما ان الغطاء متوافر، كاشفة عن ان الجيش الذي يعتمد في تصرفه الانضباط الكامل والالتزام بالمعايير التي تفرضها القوانين الدولية، اتخذ الاجراءات القانونية في حق المخالفين للتعليمات سواء من جهة من سرب الصور الى وسائل التواصل الاجتماعي او مارس اعمالاً غير انسانية، فقد علم في هذا الاطار عن توجه لدى قيادة الجيش بمنع اصطحاب العسكريين الذين يقومون بمهمات أمنية أجهزتهم الخلوية معهم.
عمليات الدهم تلك، والتي قوبلت بموجة من التحركات المعترضة، قادتها «هيئة العلماء المسلمين» تحت عنوان «لا لذبح عرسال»، اخرجت عددا من اللاجئين السوريين وبعض اهالي البلدة بعد صلاة الجمعة في مظاهرة رفعوا فيها شعارات مؤيدة لـ«داعش» و«النصرة»، للمرة الثانية هاتفين: «أبو مالك فوت فوت بدنا نوصل لبيروت»، و«الشعب يريد الدولة الاسلامية»، تزامنا مع مسيرات في طرابلس بقيت جميعها في اطار منضبط، تحت ضغط الاجراءات الامنية وخطة الانتشار المنفذة.
في السياق، حذرت أوساط شمالية من خطورة الاعتداءات المتكررة على العسكريين، ومن مخطط لنقل التوتر من عرسال شرقاً إلى طرابلس شمالاً، سيما في ظل وجود مخاوف من مغبة أن يعمد المصطادون في الماء العكر إلى إعادة توتير الأجواء الأمنية في المدينة، بهدف إشغال المؤسسة العسكرية وفتح جبهة جديدة للتخفيف من حجم الضغوط التي يواجهها المسلحون في عرسال، رغم تأكيد المصادر العسكرية على جهوزية الجيش الذي اتخذ الإجراءات الميدانية الضرورية لتعزيز الأوضاع الأمنية والتصدي لأي محاولة من جانب الإرهابيين لضرب السلم الأهلي، من خلال نشره «قوة ضاربة» مؤلفة من فوج مغاوير البحر وفوج تدخل فضلا عن اللواء الثاني عشر، في مهمة حفظ الامن في المدينة، مشيرة الى وعي القيادة للمخطط الرامي إلى زرع الفتنة بين اللبنانيين، مشددة على ان امكان افتعال أحداث وجرائم مثل استهداف مراكز عسكرية وُضع على خريطة التحرك الأمني والعسكري بقوة في الساعات الاخيرة، فيما بدأت تحركات واتصالات سياسية لمنع حصول اي تدهور أمني من شأنه ان يعيد المدينة الى زمن التفلت الذي لن يتهاون الجيش معه.
واكدت الاوساط ان فعاليات المدينة السياسية والدينية وضعت في أجواء وجوب احتواء اي محاولات لتوتير الوضع وإشغال الجيش عن المواجهة في عرسال، من خلال عزل مجموعتين معروفتين بارتباطهما بتنظيمات ارهابية، علماً ان اسماء أفراد المجموعتين باتت متداولة على نطاق علني واسع، وقد نفّذ الجيش اللبناني عمليات دهم واسعة في المدينة موقفا ما لا يقل عن عشرين شخصاً، معتبرة ان جزءا مما تشهده المدينة مرتبط بعمليات الانتقام لمقتل مسلحين تابعين لمجموعة المولوي العاملة تحت قيادة «النصرة» وآخرهم ابو ليث الطرابلسي.
في غضون ذلك، ارتسمت صورة إرباك حكومي وأمني واسع امام ظاهرة الاحتجاجات التي ينفذها أهالي العسكريين الاسرى والتي ينتظر ان تتصاعد على نطاق واسع في اليومين المقبلين، وسط الخشية من مضاعفات خطرة اجتماعياً وأمنياً، في ظل استمرار الاتصالات التي كان آخرها محاولة الوزير وائل ابو فاعور موفدا من النائب جنبلاط احتواء مفاعيل اقفال طريق ضهر البيدر، محاولا التدخل لعدم التصعيد، بعد توافر معلومات عن تحركات غير مطمئنة ومحاولة بعض الاطراف افتعال اشكالات بين القوى الامنية والاهالي تكون نتيجتها فتح الطريق، وبعد الذي حصل امس بعد رفض اهل الجندي محمد طالب من بعلبك فتح الطريق، بعد انسحاب ذوي الاسير وائل حمصي بناء على اتصال من النائب جنبلاط، الذي رافقه توتر في الاجواء وكلام اتخذ طابع مذهبي سياسي بين العائلتين، لينسحب من بعده معظم اهالي الجنود الدروز فيما بقي آل طالب وزوجة علي بزال وامه.
وكانت «جبهة النصرة» ارسلت تسجيلات صوتية من العسكريين الاسرى الخمسة عشر طالبوا فيها ذويهم بالاستمرار في قطع الطرق من اجل الضغط.