اكتملت الأفراح بامتلاء المؤسسات الشاغرة واستئناف الدولة لعملها الدستوري. وكانت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، بعد نيل الحكومة الثقة، بمثابة تتويج الأفراح ب ليلة الدخلة. وجاءت قرارات الجلسة الأولى احترافية: ضربة في الماضي، وضربة في المستقبل. الضربة الأولى في الماضي اقتلعت بسهولة جذرا ضخما ضاربا عميقا في الأرض مشتبها به بالتعفّن والفساد، واستعصى على الاقتلاع لسنوات كثيرة سابقا. الفساد مناخ، وكذلك الاصلاح أيضا، ولعل الأجواء الجديدة للعهد الجديد كانت من الأسباب الرئيسة التي جعلت المستحيل ممكنا… وهكذا تمّ اقتلاع عبدالمنعم يوسف من مناصبه ووضعه بالتصرّف… ولكن ماذا بعد؟ أهمية هذا القرار أن يكون خطوة في سياق متصّل…
الاصلاح الحقيقي هو معادلة تشبه اللونين الأسود والأبيض، ولا مجال فيها للون الثالث الرمادي. ومن حيث المبدأ القانوني والأخلاقي، لا يجوز رشق عبدالمنعم يوسف لا بتهمة ولا حتى بوردة، اذا بقي آمنا مطمئنا في ملطأ التصرّف الى أجل غير مسمّى. وكل مشتبه به أو متّهم هو بريء حتى تثبت ادانته. وليس من مصلحة أحد أن تبقى الشبهات والتهم المتداولة في السياسة والاعلام تحيط به وتلفّه من رأسه الى أخمص قدميه. ومن مصلحة الدولة والمجتمع وعبدالمنعم يوسف نفسه، أن يفصل القضاء في قضيته، وفي أسرع وقت ممكن… فاذا كان مرتكبا لجرائم هدر وسرقة المال العام، فمن الواجب انزال العقاب العادل به، واسترجاع المال الحرام المسروق الى الدولة والمجتمع، منه ومن شركائه المحتملين. أما اذا كان بريئا فلماذا أقيل من مناصبه؟ وهو سؤال سيرتد على الدولة والعهد بكل سوء وخيبة!
قط ليلة الدخلة يختلف عن كل ما عداه… وقد عرفنا هوية القط الآن، ولكن ما مصيره؟!
الضربة الثانية كانت في المستقبل وهي تلك المتعلقة بمرسومي النفط والغاز. الناس، على الرغم من كل تفاؤلها بالعهد الجديد، لا تزال تعيش في ثقافة الماضي ولا تصدق امكانية الخروج منه. وذلك ينطبق على بعض وسائل الاعلام التي تبدأ حديثها عن الجلسة الدسمة لمجلس الوزراء بالقول انه من الصعب انكار طابع الزخم لتلك الجلسة، وكأن القاعدة هي الانكار لا الايمان بالحاضر والمستقبل! النفط والغاز قطاع جديد ومستجد على لبنان، ومن الطبيعي ألا يولد مكتملا من المحاولة الأولى. ومن الواجب الاصغاء الى كل الملاحظات والاعتراضات بانتباه واهتمام شديدين، وبعقل منفتح وصفاء نيّة، وسدّ كل الثغرات الممكنة، وبأقصى قدر من الشفافية، لانتزاع الفكرة الثابتة في الأذهان، من ان الغاز والنفط هما جبنة الكرام الجديدة على موائد اللئام!
ثقافة الصفقة لا تزال هي الانطباع الراسخ والمتوارث منذ الاستقلال والى اليوم. ويصعب على بعض السياسيين أن يؤمنوا بامكانية ولادة عهود في لبنان لها صفة الطهارة في الفكر والقول والعمل. واذا كان بعض السياسيين اعتاد العمل لضمان مصالحه ومنافعه أولا، ففي لبنان من يعتقد بأن العهد الجديد والرئيس ميشال عون انما جاء ليعيد صنع التاريخ… ودخوله من الباب الواسع، وانه يعمل لآخرته وليس لدنياه… والعهد لا يزال في أوله، والبداية جيّدة، فلننتظر لنرى!