شكّل التدخّل الروسي العسكري في سوريا وشنّها ضربات جوية على معاقل تنظيم الدولة الاسلامية مفاجأة للجميع على رغم أنّ موسكو هي الداعم الأول للنظام السوري. وقد تردّدت أصداء الضربات في بيروت، وكَثر رَسم السيناريوهات والتحليلات عن انعكاسها على الوضع اللبناني المتأزم وكيفيّة صرفها في ملف رئاسة الجمهورية.
لم يعد ممكناً غضّ النظر عن دخول الدب الروسي بهذه القوة الى المنطقة، إذ أصبح اللاعب الأبرز وسحب البساط من تحت أقدام الحلفاء قبل الخصوم. أمّا لبنانياً، فإنّ التكهنات بالنسبة إلى المدى الذي سيصِل إليه المعطى الروسي الجديد ونتائجه على الواقع السياسي القائم لا تُعدّ ولا تحصى.
ويعتبر «حزب الله» أنّ الغارات الروسيّة تشكّل دعماً لمحور الممانعة والمقاومة، متناسياً أنّ موسكو باشرت ضرباتها بعدما أبلغت اسرائيل بالعمليات. ومن جهة أخرى، يراهن بعض المتحمّسين في «التيار الوطني الحرّ» و«8 آذار» على أنّ انتصار روسيا ومعها نظام الأسد ومحور الممانعة، سينعكس لبنانياً بانتخاب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية كترجمة لهذا النصر.
روسيا دولة كبرى تخطّط وتنفّذ وفق مصالحها، ومَن يطّلع على الموقف الروسي الحقيقي يعلم أنه لم يتغيّر تجاه معطّلي الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وما زال ثابتاً على كلام نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف ورسالة وزير الخارجية سيرغي لافروف منذ نحو أكثر من شهرين، والتي حمَّلت عون ومقاطعي جلسات الإنتخاب مسؤولية الفراغ الرئاسي.
وفي آخر المواقف الروسية من الأزمة الرئاسية اللبنانية، علمت «الجمهورية» أنّ بوغدانوف جَدّد، بعد انطلاق الضربات الجوية على تنظيم «داعش» في سوريا، موقف بلاده الداعي الى «نزول الجميع الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس للجمهورية توافقي بأسرع وقت ممكن يُرضي كل الاطراف اللبنانية»، داعياً جميع السياسيين الى «تغليب المصلحة الوطنية والشروع فوراً بالإنتخاب»، مؤكداً أنّ «روسيا ليس لديها مرشّح بل يهمّها المصلحة اللبنانية ومصلحة المسيحيين».
ووسط تشديد روسي على الحفاظ على الصيغة اللبنانية وإبقاء الرئاسة مع الموارنة وتثبيت المسيحيين في مناطقهم التاريخية في لبنان والشرق، جدّد بوغدانوف دعمه للحوار الوطني الجاري، متمنياً «استمراره من أجل الوصول الى حلّ يضع نهاية للأزمة اللبنانية».
في المقابل، تكشف مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو لـ»الجمهورية» أنه «لا يوجد أجندة أو نيّة روسية للتدخل العسكري في لبنان، بل إنها مع الحفاظ على سيادته واستقلاله، وستتدخّل في حالين: الأولى اذا طلبت منها الحكومة اللبنانية مساعدتها في محاربة التنظيمات المتطرّفة في حال حاولت اجتياح لبنان، كما فعل النظام السوري.
والثانية اذا صدر قرار عن مجلس الامن الدولي يطلب مساعدة لبنان لمواجهة الاخطار المحدقة به». وتوضِح المصادر أنّ «روسيا دخلت الحرب السورية بعدما طلب النظام ذلك، في وقت تعتبر أنّ ضربات التحالف الدولي في سوريا غير قانونية لأنّ النظام لم يطلب ذلك ولم يصدر قرار من مجلس الأمن، بينما ضربات التحالف في العراق قانونية لأنّ الحكومة العراقية طلبت مساندته لضرب «داعش» بعد تمدّدها وعدم قدرة القوات العراقية على التصدي لها وحيدةً».
وتؤكد المصادر الديبلوماسيّة أن سبب التدخّل الروسي في سوريا يختلف عن لبنان، «فهي تهدف لمنع الدولة السورية من السقوط وحماية حديقتها الخلفية التاريخية، وتعتبر موسكو انه إذا نجح الإسلاميون في إقامة دولتهم التي ستمتد الى حلب ومنها الى تركيا، عندها سيتحرك المتطرفون في الشيشان وروسيا، لذلك أتت لمقاتلتهم في سوريا، ويستند عدد من المسؤولين الروس في نظريتهم هذه الى أنّ البريطانيين نفذوا غارة وقتلوا بريطانيَّين في سوريا خوفاً من عودتهما الى بلادهم، فكيف الحال بالنسبة الى روسيا حيث يقاتل نحو 2000 شيشاني في سوريا، وإذا عادوا ستقع كارثة، فلا مهادنة مع الارهاب واذا لم نقاتلهم في سوريا سيقاتلوننا في بلادنا».
وعلى رغم الإندفاعة الروسيّة تَحضر في ذاكرة الروس حرب أفغانستان التي هزّت عرش الإتحاد السوفياتي، مع ارتفاع بعض الأصوات التي تحذّر من انجرار الروس الى حرب بريّة وسقوط خسائر بشرية، حيث يعتبرون أنّ سوريا غير أوكرانيا.
ومع تطوّر الأحداث، تبقى الرئاسة اللبنانية ضائعة بين أوراق الإتفاق النووي الإيراني- الأميركي، وكثافة الغارات الروسية، وحدّة التوتّر السعودي- الإيراني.