في ايلول وتشرين الاول 2005 كانت الادارة الاميركية في حال احباط شديد من عدم قدرتها على وقف عبور المجاهدين من سوريا الى العراق. وكان الرئيس الاميركي حينئذ جورج دبليو بوش مستاء جدا من التحدي والاستخفاف من جانب النظام السوري، في ضوء اطلاعه على صور من الاقمار الاصطناعية تظهر عبور جهاديين بأعداد كبيرة الحدود السورية الى العراق ، فيما كانت القوات الاميركية التي احتلت العراق تحارب عناصر” القاعدة” هناك. وكان عبور الجهاديين يتم على بعد امتار قليلة من مراكز مراقبة عسكرية سورية، بما يفيد ان عبور هؤلاء كان يتم بمعرفة النظام وتغطيته.
وتروي مصادر ديبلوماسية معنية انه نتيجة لذلك بدأت مناقشات جدية من اجل البحث في سبل تغيير السلوك السوري الى درجة ان” مجلس الامن القومي في التوجه الرئاسي” بحث جديا في عمل عسكري داخل سوريا، انطلاقا من اعتقاد ان عدم القيام باي شيء لم يعد خيارا . حتى ان مساعد وزير الخارجية الاميركي في ذلك الوقت ديفيد ولش زار سرا المملكة العربية السعودية ومصر من اجل ابلاغ الملك عبدالله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك بمدى الاحباط الذي تشعر به واشنطن من السلوك السوري، وبأن واشنطن لم يعد في امكانها تحمّل ذلك وانها على وشك القيام بعمل عسكري، كما محاولته تحذير بشار الاسد عبر الجهتين السعودية والمصرية. وتفيد معلومات المصادر المعنية انها توسلت العمل على تجنيب المنطقة ازمة كبيرة نتيجة لذلك.
تستعيد المصادر هذه المعلومات من اجل القول ان الاميركيين يعرفون جيدا تاريخ تطور الامور في العراق، وتاليا في سوريا . وان عدم القيام باي شيء لم يعد خيارا مع قرار مواجهة تنظيم “داعش”، بحيث لا يجوز ترك عناصره يهربون للجوء الى سوريا نظرا الى امكانهم العودة الى العراق بعد هدوء الحملة ضدهم، او لإمكانهم استخدام سوريا منطلقاً لهم الى المنطقة ككل.
لكن قد لا تكون الضربات الجوية على مراكز التنظيم في سوريا مستعجلة او في المدى القريب جدا كما قد يعتقد البعض. اذ ثمة استعدادات لوجستية وتقنية يجب انجازها، فيما لا نية لترك بشار الاسد يستفيد من الضربات الجوية ضد “داعش”، فضلا عن عدم الثقة به. وهذه الخلاصة، تقول المصادر، جزمت بها مراجع اقليمية رسمية رفيعة انطلاقا من ان الخطة غير مكتملة بالنسبة الى سوريا كما هي بالنسبة الى العراق، حيث بدأ التحضير لوسائل المواجهة السياسية عبر الدفع في اتجاه حكومة شاملة وجامعة وعبر تقديم ضمانات للعشائر السنية وللاكراد والتي لا مجال لنجاح الخطة في العراق من دونها. وتقول المصادر المعنية انه في موازاة التحول السياسي النسبي في العراق، حيث عاد الاميركيون اليه من الباب العريض بطلب من الحكومة العراقية نفسها وعدم اعتراض من ايران، وانشغالهم بتصحيح ما ارتكبوه لجهة ترك العراق تسيطر عليه الطائفة الشيعية باعتبارها الاكثرية هناك، فان الاكتفاء بتوجيه ضربات جوية “لتنظيم الدولة الاسلامية” في سوريا لن يكون كافيا . وهناك عملية سياسية سبق للرئيس الاميركي ان حددها بقوله قبل شهرين انه لا يمكن الاسد ان يحكم اكثرية سنية. كما ان الرئيس الاميركي كان واضحا في عدم التعاون مع النظام، وكذلك بالنسبة الى الدول الغربية، انطلاقا من ان استمرار بشار الاسد في السلطة هو احد مبررات جذب الجهاديين الى سوريا.
ولكن قبل سنة من الآن حفزت تهديدات اطلقها الرئيس الاميركي باراك اوباما بوجود ارادة للقيام عمليات عسكرية جوية ضد النظام السوري لاستخدامه الاسلحة الكيمائية ضد مواطنيه، على اتفاق التزم بموجبه النظام تسليم اسلحته الكيميائية كلها، وانقذ النظام السوري مجددا من ضربات عسكرية كانت ستنهكه، وربما كانت ستعجل في رحيله او تجعله يقبل بالتحاور مع المعارضة على اسس جنيف 1 في حين ان الوهم باعادة التعاون معه عبر اتفاق الكيميائي كشريك يمكن الركون اليه، دفعه الى الاستمرار في سلوكه من دون اي تجاوب او تعاون في شأن حل سلمي، مما اجهض مهمة الموفد الدولي الاخضر الابرهيمي في محاولته انجاح مؤتمر جنيف 2. ويرى النظام في عدم اشراكه في التحالف الدولي، لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، اقصاء نهائيا له، مع ما يعنيه ذلك من استحالة احتمال تأهيله او تعويمه مجددا، وخصوصا ان قرار تدريب المعارضة المعتدلة في حال اتخذ طريقه الى التنفيذ سيشكل عاملا ضاغطا تم تجنبه في العامين الاخيرين نتيجة عدم التزام تسليح المعارضة ودعمها جديا. اذ ان المسؤولين في سلطة الاسد يواصلون عروضهم من اجل اثبات اهلية النظام والدفاع عن ضرورة استمراريته. وهذا الامر قد يفتح الباب على تساؤلات، عما اذا كان يمكن الاستفادة من ذلك من اجل اطلاق عملية سياسية جدية لا بد منها من اجل مواكبة العمليات العسكرية ضد “داعش”، وصولاً الى مرحلة انتقالية كان رفضها النظام حتى الآن، وخصوصا ان ثمة متغيرات يعتد بها، ان في ما يتصل بروسيا المتخبطة في موضوع اوكرانيا، او في ما يتصل بايران وتحديد خسائرها في العراق، على رغم استمرارهما على مواقفهما الداعمة للاسد، او ايضا في ما يتصل بالواقع الميداني لجهة بروز عجز الاسد عن امكان نقل سوريا الى الاستقرار.