فيما لا تزال تتفاعل قضية المقابلة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري، خصوصا بعد أن أكدت هذه المقابلة المؤكد لناحية القيود السعودية التي تكبل حرية الحريري، وذلك استنادا إلى ما نتج عن هذه المقابلة من دلائل ومؤشرات قد برهنت أكثر الوضع المأسور لرئيس حكومة لبنان، وهذا الأمر عبرت عنه بكل وضوح دوائر القصر الجمهوري في بعبدا والعديد من المواقف العلنية في لبنان، بالإضافة إلى أن هناك دبلوماسيين في بيروت تحدثوا إلى بعض المسؤولين اللبنانيين بكل وضوح بأن أهم الخبراء بمجال الخطف في العالم أكدوا بأن هذه المقابلة التلفزيونية للحريري تشكل دليلا إضافيا قاطعاً على مدى المعاناة التي يتعرض لها والتي تجعله أسير توجهات القيادة السعودية التي تريد منه ومن ورائه لبنان وشعبه الخضوع للمشيئة السعودية المطلقة من أجل أن يكون وطن الأرز منصة متقدمة لها على جبهة المواجهة المفتوحة مع ايران.
وبخصوص بعض بوادر الانفراج التي حملتها مقابلة الحريري، تؤكد مصادر دبلوماسية غربية بارزة في بيروت لـ «الديار» بأن هذا الانفراج أتى نتيجة الضغوط الدولية، وتحديدا نتيجة الرسائل الغربية الموقعة بالحراك الفرنسي والأميركي الحازم والعالي اللهجة والذي طالب بشكل مباشر ولي العهد السعودي بوقف التصعيد في لبنان الذي ليس مسموح لا للسعودية ولا لغيرها من الدول الإقليمية تعريض أمنه واستقراره وسلمه الأهلي لأي خطر جدي ،كما جرى التعبير في هذه الرسائل عن رفض المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ومن ورائهما تباعا سائر دول الاتحاد الأوروبي، للأزمة السياسية التي فجرها السعوديين في لبنان بعد ضغطهم على الحريري لتقديم استقالته لأسباب غامضة ترتبط بالأجندة السعودية التصعيدية بوجه ايران وحزب الله في المنطقة.
المصادر الدبلوماسية الغربية عينها أكدت بأنه و بالرغم من الانفراج السياسي الذي قدمه الحريري في اطلالته الأولى من السعودية بعد تقديم استقالته المفاجئة، لناحية تأكيده على التمسك بالتسوية القائمة في لبنان وبالحوار سبيلا لتسوية الأمور في وطن الأرز و بثقته الكبيرة بالرئيس ميشال عون وحرصه البالغ على الدستور وتطبيقاته، إلا ان هذا الأمر وبحسب مصادر ما أشارت إليه المصادر «لا ينفي ولا يلغي أبدا الحقيقة التي يجمع حولها كل القوى الدولية التي تدخلت في هذه القضية، وهذه الحقيقة تقول بأن الحريري قد جرى تقييد حريته واجباره تحت الضغط والإكراه على تقديم استقالته بالطريقة المهينة التي تمت بها وبشكل مفاجئ وصادم للبنانيين ولكل المراقبين والمتابعين للوضع في لبنان».
وتشير المصادر بأن هذا الانفراج الذي حصل قد تم بسيناريو فرنسي مدعوم أميركيا ومن كافة القوى الأوروبية الفاعلة، قد قضى بالسير قدما بخريطة طريق من قبل القيادة السعودية وفق الخطوات التالية:
أولا: تخفيف قيود العزل عن الحريري وتعزيز قدرته على التواصل والتشاور مع كافة الأطراف الدولية، وهذا الأمر حصل من خلال اللقاءات التي جرت في الرياض بين الحريري وبين شريحة واسعة من الدبلوماسيين الأجانب الموجودين في المملكة العربية السعودية.
ثانياً: ان يتم تطمين اللبنانيين على أن زعيمهم ورئيس حكومتهم سعد الحريري هو بخير بالرغم من غيابه القسري عنهم، وهذا الأمر تمت ترجمته من خلال اللقاء المتلفز المعلّب للحريري الذي كان مجبرا خلاله على تقديم العديد من الرسائل السياسية التي حددها له حرفيا السعوديين، وهذا الأمر كان واضحا وجليا لكل المراقبين الذين أصابهم الذهول من الحالة السيئة التي أصابت الحريري بعد تقديم استقالته العلنية من الحكومة ودخوله مرحلة الأسر المستمرة.
ثالثاً : الخطوة التالية بعد المقابلة التلفزيونية فهي عودة الحريري إلى لبنان من دون عائلته وذلك لتقديم استقالته الدستورية إلى الرئيس ميشال عون الذي سيدعو لاستشارات نيابية ملزمة سيتم من خلالها إعادة تسمية الحريري لترؤس الحكومة القادمة.
رابعا: أن الأزمة التي تسبب بها السعوديين سوف تستمر تداعياتها وانعكاساتها على الوضع اللبناني، ونقطة الضعف في هذه المرحلة هي عائلة الحريري الموجودة في الرياض التي ستستخدم ورقة عائلة الرئيس سعد الحريري كوسيلة ضغط عليه في خياراته وممارساته السياسية، وبالتالي أن الجهد الدبلوماسي الفرنسي وغير الفرنسي سينصب في المرحلة المقبلة على نقطة تحرير أسرة الحريري من قبضة الهيمنة السعودية.
وختمت المصادر بأن مسألة تحرير االحريري وعائلته باتت من المطالب الأساسية لرئيس الجمهورية ميشال عون حيث شدد عبر اكثر من قناة على مسألة ان يكون موضوع تحرير الحريري من قبضة الأسر وعودته إلى لبنان تاما وكاملا، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بعودته وعائلته إلى لبنان، وهذا الامر سيكون على رأس أولويات المسؤولين المتابعين لهذه القضية في مرحلة ما بعد عودة الحريري الأولى إلى بلده بعد إعلان استقالته الغامضة من السعودية.