تتزايد العراقيل وتفاذف المسؤوليات من ملعب لآخر في رحلة تأليف الحكومة، والتي تحوّلت فعلاً كما تنبأ الرئيس برّي سابقاً إلى «جهاد أكبر»، وبغض النظر عن تفاصيل الأسباب، إلا أنه من الواضح أن فريق رئيس الجمهورية يحاول معاقبة معارضيه، واحتكار التمثيل المسيحي من جهة، والفريق الآخر يحاول تلقين حليف الأمس «درساً في الوفاء» لتثبيته على الخط الاستراتيجي، ومنعاً لأية انعطافة تسلب الحلف الإيراني رهجة الانتصار بوصول العماد عون إلى سدّة الرئاسة!
إلا أن الثمن الحقيقي يُدفع من حساب الشعب المنهك، والاقتصاد المستهلك، وتعطيل انطلاقة العهد بحد ذاته، وليس كطرف في صراع أو ممثّل لطائفة دون أخرى، بل كقوة دفع وطنية تمّ انتظارها لما يزيد عن العامين. وتدور معركة فرض الأحجام، في حين يُداهم الوقت الانتخابات النيابية المقبلة، قبل أن يتم التوافق على قانون انتخابي، وهو من أهم البنود على أجندة العهد الجديد… وبالتالي تنتقل العُقد من ملف لآخر من دون أية بوادر لحلحلة قريبة.
إن تبعات انعكاس الكباش الإقليمي على الداخل اللبناني تستمر ثقيلة، على الاستقرار الاجتماعي والانطلاقة الاقتصادية بعد طول تعطيل، ولم يعد يُخفى على أحد أن شدّ الحبال المحلي يتم من منطلقات فئوية طائفية ضيّقة، ناهيك عن التمترس وراء مواقف ثابتة من دون إبداء أية نوايا لملاقاة الآخر في منتصف الطريق، مما يفاقم العقد ويُعيد الأزمة إلى المربّع الأوّل!
وتقع هنا المسؤولية الأكبر على رئيس الجمهورية وقدرة فريقه على تذليل العقبات أمام انطلاقة العهد، ولعب دور الرئيس الجامع لكل اللبنانيين والمستوعب لمعارضيه، بعيداً عن الكيدية والتعطيل.
أخيراً، يبقى الرهان على «لمسات سحرية» تتدخل في اللحظة الأخيرة، لحل العقد، كما تمّ عند انتخاب الرئيس والتكليف، إلا أن ذلك لا ينفي أهمية النوايا الصادقة لتذليل العقبات والخروج من زواريب التحالفات الضيّقة، إلى رحاب العمل الجماعي، لأن ما يحتاجه لبنان اليوم ليس رئيساً قوياً وحسب، بل دولة مؤسسات قوية ومنتجة، قائمة بذاتها وليست رهن الشخص أو الحزب أو الفريق!