أجواء التوتر والانقسامات بين أهل الحكم توحي وكأن البلد يقف على عتبة مرحلة جديدة من الفوضى السياسية.
تفاءل بعض اللبنانيين بأن «الرئيس القوي»، سيؤسس حكماً قوياً، ويُعيد إلى السلطة فعاليتها، ويستعيد للدولة هيبتها، ويفرض الدستور فيصلاً في الخلافات، وحَكماً بين المختلفين.
ولكن سرعان ما تبين أن هذه الآمال والأمنيات الوردية، هي أكبر من الإمكانيات الواقعية، وأكثر بُعداً عن المسار الفعلي للعهد الحالي، لأسباب يعود بعضها لفريق العهد نفسه، وبعضها الآخر لتعقيدات الوضع السياسي، وتشابكاته المختلفة.
وجاء الخلل الحالي في توازنات المعادلة الداخلية، ليزيد الأمور تفاقماً، ويُباعد بين مواقف ومواقع الأطراف الرسمية والأساسية، ويعطل أبسط المحاولات الإصلاحية، إدارياً ومالياً، وطبعاً سياسياً.
نعي الوزير جبران باسيل للإصلاحات في قانون الانتخابات، هو في الواقع اعتراف صريح بسقوط شعار «الإصلاح والتغيير» الذي يردده «التيار الوطني الحر»، منذ ما قبل وصول العماد ميشال عون إلى بعبدا. هذا الاعتراف لا يقتصر على قانون الانتخابات، لأن اللجنة الوزارية لم تأخذ باقتراح تمديد مهل تسجيل المغتربين مثلاً، بل هو يعني الكثير مما كان اللبنانيون يعوّلون عليه في عهد «الرئيس القوي».
قد تكون الخلافات بين أطراف السلطة ظاهرة سياسية، ودليل عافية على صحة النظام الديموقراطي، وسلامة الممارسة الديموقراطية، ولكن هي على عكس ذلك تماماً، عندما تتحوّل إلى انقسام في قمة الهرم، وإلى بؤرة للاستغلال في المستنقعات الطائفية، ووسيلة للانقضاض على النصوص الدستورية، ومبادئ الميثاق الوطني الذي كرّسه اتفاق الطائف.
وما أزمة مرسوم الأقدمية للضباط ، إلا نموذجاً لحجم التباينات التي تُباعد بين أهل السلطة «أقوياء الطوائف»، على خلفية الاختلاف العميق في تفسير الدستور، وتحديد الصلاحيات، والفصل بين السلطات، والتي تخفي جميعها صراعاً على المواقع والأدوار، وما يتصل بها من سلطة ونفوذ!
ولا بدّ من القول بأن تسعير الخلافات بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، ومن يمثلهما في الحكومة، قد ضاعف المخاوف على الوضع الاقتصادي والمالي، الذي يُعاني أصلاً من وهن مزمن، زادت سياسات الهدر والفساد من تداعياته، بعدما ارتفعت المديونية إلى ثمانين مليار دولار، ولا تبدو في الأفق خطط جدّية للخروج من دوامة الأزمة المتدحرجة، في ظل هذا التخبّط الرسمي، والذي وصل إلى حد تكليف شركة «ماكنزي» تحديد الهوية الاقتصادية للبنان… وكأن الداء مجهول والدواء مفقود!
ثمّة مؤشرات تدل على أن هذا التوتر بين أهل الحكم، مرشح للتصعيد، ولمزيد من التعقيد، كلما اقتربنا من موعد الانتخابات، وارتفعت حرارة المعارك الانتخابية، في ظل هذا القانون الذي ألغى قواعد التحالف التقليدية، وترك كل مرشح يواجه مصيره عبر الصوت التفضيلي، الذي شوّه، وإلى حد كبير، مبدأ النسبية، وأعاد العملية الانتخابية وكأنها «صوت واحد لمرشح واحد»!
هل تكون الانتخابات في أيار بوابة الخروج من دوامة التأزم والتشرذم الراهنة بين «أقوياء الطوائف»، أم أن النتائج ستفرض معادلة جديدة على الوضع الداخلي، تزيد التوترات وتضاعف الانقسامات، وتقضي على ما تبقى من فعالية السلطة؟