IMLebanon

شراكة الأقوياء في سلطة ضعيفة

 

 

ليس أمرا قليل الدلالات ان تصبح القوة هي المعيار الأول لتحديد الأجندة الوطنية والسياسية في لبنان. ولا حدود للمتغيرات في ادارة نظام جامد على يد تركيبة سياسية غارقة في حروبها الصغيرة، وسط ما يهدّد البلد بالافلاس ومواجهة مخاطر اقليمية هائلة. فما كان مجال المفاخرة في الماضي، وهو تشبيه دور لبنان المعاصر في المنطقة بدور أثينا في تكريس العقل والحكمة والحرية أيام الإغريق، صار التشبّه بدور اسبارطة في تكريس القوة والعسكرة. وما يبدو شديد الاغراء والجاذبية حاليا هو معادلة قوامها ان المواقع في السلطة للأقوياء في طوائفهم. من الرئاسات الى الوزارات، مع التسليم بالترجمة العملية لما يسمّى فائض القوة لدى حزب الله.

وليس جديدا أن يكون في السلطة طرف قوي الى جانب أطراف ضعفاء في طوائفهم. فهذا ما رأيناه في معظم العهود بعد الطائف، حيث كانت السلطة الحقيقية للوصاية السورية، والسلطة الشكلية لحلفاء دمشق الذين بينهم قلّة من الأقوياء وكثرة من الضعفاء، والقمع للأقوياء وخصوصا للزعماء الموارنة.

الجديد حاليا هو اكتمال شراكة الأقوياء في السلطة. ولا أحد يعرف الى أين تقودنا هذه التجربة، سواء بالنسبة الى معالجة مشاكلنا الداخلية أو الى مواجهة التحديات والأخطار الخارجية. لكن الحماسة لها كبيرة والكل يترقب بين الاطمئنان والقلق امتحان تأليف الحكومة والامتحانات الأصعب بعده. والكل يعرف ان اللعبة ليست في أيدينا وحدنا، وان ضغوط القوى والمصالح الاقليمية والدولية تتزايد وترتبط بالصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها.

 

ذلك ان السؤال الذي يصعب الهرب منه، ليس فقط القوة بماذا بل أيضا القوة على من؟ وأقل ما تعلمناه من التجارب على مدى عقود هو اننا أسرى معادلتين ثابتتين، وسط كل المتغيرات هنا ومن حولنا: أضعف دولة في أقوى نظام في المنطقة على ما فيه من عيوب وثغرات بنيوية. وزعماء أقوياء يديرون سلطة ضعيفة. والسؤال هو: هل نحن على الطريق الى تغيير في المعادلتين؟ مختصر ما نسمعه علنا وسرّا هو جوابان متناقضان: الأول ان شراكة الأقوياء هي الضمان الوحيد لبناء دولة قوية. والثاني ان الزعماء الأقوياء يترددون في بناء دولة قوية، لأنهم أقوياء بسبب ضعف الدولة.

والواقع ان تعبير الدولة القوية حمّال أوجه. فلا دولة قوية ان لم يكن المجتمع قويا، والاقتصاد قويا، وأمن الوطن والمواطن مضمونا. ولا جدوى من دولة قوية ان لم تكن عادلة ودولة حق وقانون. وأين نحن اليوم من قول أرسطو قبل آلاف السنين ان الدولة جماعة مواطنين عاقلين أحرار، لا جماعة مؤمنين؟