عند هذا المنعطف الدولي، الإقليمي، العربي، اللبناني، التاريخي، لا بدّ أن يكون للبنان رئيس للجمهوريّة في نهاية المطاف. ورئيسٌ توافقي طبعاً.
لكن المسألة الآن تبدو كأنها كباش بين فريقين حول مواصفات الرئيس المنتظَر، وخصوصاً لجهة قوّته. صباحاً مساءً وما بينهما والأخذ والردّ في الذروة: الرئيس القويّ، وإلا…
كل اللبنانيّين مع الرئيس القوي. إنما السؤال عن القواعد والأسس التي على أساسها يتمّ تصنيف القويّ، وتمييزه عن الضعيف. أن يكون قويّ العضلات، مثلاً؟ قويّ الصوت؟ لا يقدّر العواقب، ولا يحسب أي حساب لسواه؟ غير مبالٍ بذيول ما يقول ويفعل، على طريقة أنا أعمى ما بشوف أنا ضرّاب السيوف؟ معطّلاً البلد والدولة والمؤسّسات ساعة يشاء؟ سريع الانفعال، معرّضاً التركيبة اللبنانيّة الحسّاسة للهزّات والشرذمة إذا ما نرفز هو أو أخذ قريب له على خاطره؟
هل هذا هو الرئيس القويّ الذي عنه يتحدّثون؟
كلاّ، وألف كلاّ. فالرئيس القويّ الذي يبحث عنه لبنان ويريده اللبنانيّون هو الرئيس المُدرك، الواعي، الحكيم العاقل الذي يعرف تاريخ لبنان، وموقعه، ودوره في محيطه، وما يتهدّده من داخل وخارج… ويحُول دون تعريضه للهزّات والمخاطر كلّما دقّ الكوز بالجرّة.
الرئيس القويّ الذي يحتاج إليه البلد وينتظره الناس هو الذي يحرص على تنظيف الدولة المسوّسة من خلايا الفساد ومَغاور الفاسدين والمنتسبين إليهم.
الرئيس القويّ هو الذي يُصرّ على تطبيق الدستور والقوانين بحرفيّتها. ويضع جميع المواطنين في ميزان واحد، دون مراعاة أو استثناءات. وعلى أساس أن الجميع سواسيَة أمام القانون. وليس هناك أبناء ستّ وأبناء جارية.
الرئيس القويّ قويّ بعقله، وفكره، ورؤيته، ودرايته، وإنصافه، وسهره على مصلحة لبنان، القويُّ الاعتدال، القويُّ الشكيمة، القويُّ القلب، النقيُّ الضمير، القويُّ اللهفة على مصلحة بلده وشعبه، المتبصِّر، المجرَّب، المثقَّف، المنفتح على داخل البيت وخارجه، الضليع في حقول السياسة والديبلوماسيّة والنباهة والعلاقات بين الدول.
الرئيس القويّ الاحترام لدى اللبنانيّين والمحيط العربي وعبْر البحار. القويّ في نظافة كفّه وماضيه وضميره وتاريخه.
ودائماً وأبداً مع الحق والحقيقة والعدالة.
الرئيس القويّ بمعرفته العالم العربي وكيف يُحسن التعامل مع القضايا العربيّة، والذي يعرفه العالم العربي في ساعات الضيق وساحات الصراع على القضايا المصيريّة.
هذه الصفات والكفايات لا تتوافر إلا في شخص رئيس له تاريخه المشرق في الحقل العام، لبنانيّاً وعربيّاً ودوليّاً.
اسمعوا وعوا: هذا هو الرئيس القوي.