رئاسة الجمهورية محطة في سياق
«الرئيس القوي».. بين صفاته و«عضلاته»
منذ أُدخل تعبير «الرئيس القوي» الى قاموس الحياة السياسية اللبنانية والتحليلات، كما الاسئلة، تتوالد من هذا التوصيف، حمّال الاوجه والتفسيرات: من هو الرئيس القوي؟ اين تكمن قوته؟ من يحدد معاييرها ومواصفاتها.. واستطرادا مواصفاته؟
يتباكى بعض السياسيين اللبنانيين على موقع الرئاسة المفرّغ من الصلاحيات والذي «يريدون تفريغه ايضا ممن يمكن ان يستعيض بشخصه وشخصيته وممارسته بعضا من تلك الصلاحيات المهدورة».
يتندر آخرون بانه «بلغ العجز والعقم السياسي عند الطائفة المارونية حدا صارت تحتاج معه الى استعراض القوة، تعويضا عن عمق الضعف المتسلل الى منطقها وسلوكيات قياداتها وتزعزع فكرة لبنان عندهم وعندها».
تزايد القيادات المسيحية في موضوع قوة الرئيس العتيد المفترضة. ينساق بعض الشارع والجماهير وراء هذه الفكرة، في محاولة البحث عن بدل لضائع الثقل والحضور والشراكة الحقيقية الكاملة.
يحرص احد الاساقفة على النظر بشكل اوسع الى واقع الحال. يقول ان «ضياع الموارنة وتخبطهم اليوم لا ينحصر في موقع رئاسة الجمهورية وهوية الرئيس ومواصفاته. هذه نتيجة تراكمات اخطاء وحسابات ضيقة ووضع انفسهم في دائرة الخوف غير المبرر والمبالغ فيه في محطات كثيرة». يضيف موضحا «لا يقلل هذا الكلام من اهمية واولوية انتخاب رئيس للجمهورية اليوم. الموضوع يتحول حيويا. لكن الرئاسة هي نتيجة سلوكيات وحضور فاعل ومؤثر وشراكة كاملة وشبكة علاقات راسخة داخليا وخارجيا. هي اداء متواصل وليست محطة مستقلة مفصولة عن سياقها العام». يتابع «كيف تعاطى المسيحيون قبل وفي خلال الاستحقاق الرئاسي والى اليوم؟ هل هكذا تدار معركة رئاسة الجمهورية؟ الا يتحمل الرؤساء الاقوياء المفترضون مسؤولية ما وصلنا اليه من تعطيل؟ يتبادلون الاتهامات ويغسل كل واحد منهم يديه من الموضوع، تماما كبيلاطس الذي غسل يديه من دم المسيح».
يتوقف عند فكرة الرئيس القوي ساخرا من «مفهوم القوة بالمطلق». ويسأل «عن معنى القوة في بلد كلبنان». نازعا هذه الصفة عن كل السياسيين اللبنانيين قائلا «يوحي الكلام في هذا المجال وكأننا في صراع عسكري واستعراض عضلات، فيما المطلوب رئيس قوي بحكمته، شجاع في قول الحق وترسيخ قيمه. رئيس يجيد الوصل بين جميع اللبنانيين ويعيد مد الجسور بينهم. رئيس يعرف متى يتواضع كقصبة فينحني ليمرر العاصفة وكيف يصمد كأرزة متى اثقلته الثلوج». ويسأل «هل تتوافر هذه الصفات في اقويائنا»؟.
يرفض الاسقف الاجابة على السؤال الذي طرحه بنفسه، آسفا ان تتحول الامور الى صراعات على اسماء وزعامات.
ومع ذلك، تواصل الاحزاب المسيحية الدفاع عن «قوة» الرئيس. فينهمك «التيار الوطني الحر» باستنباط وتكرار الارقام الانتخابية وحجم كتلته البرلمانية ليروج لأحقية رئيسه بسدة الرئاسة. تقوم «القوات اللبنانية» بالأمر نفسه تقريبا. تشدد على كونها تحمل مخزون «الوجدان المسيحي»، وبالتالي قوة وشرعية التمثيل، مع تواضع اكبر لجهة ابداء الاستعداد للتفاهم على اسم غير مرشحها. هو التواضع نفسه يحل في «حزب الكتائب» فيجعل رئيسه «الاقوى» ولكن.. شريطة التوافق عليه وسط «14 آذار» اولا وسائر الافرقاء ثانيا. اما «المردة» ففي منطقهم ان رئيسهم سليمان فرنجيه هو «الاقوى» قولا وممارسة، مع معرفتهم ان وصوله يقتضي انتصارا حاسما لفريق على آخر.
هذا الانتصار، لاي فريق كان، لن يستجلب على المسيحيين الا مزيدا من «الضعف» المجبول بأوهام الاستقواء بـ»خط» او «محور» او دول.
هل تعرف القيادات المسيحية ذلك؟ هل تتصرف على اساسه؟ هل يمكنها ان تتنازل عن فكرة «الرئيس القوي» لصالح صفات اخرى في الرئيس، كالحكمة والشجاعة والاعتدال والانفتاح، والحرص على الدولة القوية والهوية الوطنية الجامعة وسائر الصفات التي لا شعبية عالية اليوم لها؟
في قاموس الاحزاب هو رئيس «لا لون ولا طعم له». في صفحات التاريخ، وهو غير بعيد، هو رئيس يشبه لبنان ويشبه صفات كثر ممن تعاقبوا على رئاسته.. ولو انهم على الطريق اضاعوا الكثير من صفاتهم التوافقية. لكن لذلك قصصا اخرى.