لندخل في التفاصيل من غير مقدّمات: لبناننا توافقي. صيغة العيش المشترك توافقيّة. نظامنا البرلماني توافقيّ. ديموقراطيّتنا توافقيّة. دستورنا المجدَّد توافقي. مواثيقنا الوطنيّة توافقيّة. مبدأ المناصفة الذي يحافظ على التوازنات الطائفيّة والمذهبيّة توافقيّ…
إذاً، وفي ضوء هذا الواقع وهذه الوقائع، من البديهي والطبيعي أن يكون رئيس الجمهوريّة توافقيّاً، تتوافر في شخصيّته ورؤيته وفكره مقوّمات تُجسِّد ثقافة سياسيّة توافقيّة.
وخصوصاً بالنسبة إلى توزيع المسؤوليّات، والمناصب، كما في إدارة البلاد والعباد، فضلاً عن قيادة الحكم والسلطة والمؤسّسات. وبشموليّة لا تستثني شبراً من هذه الجغرافيا التي تنتشر فيها شعوب تنتمي إلى ثماني عشرة طائفة.
وقد تكون المجازر “الربيعيّة” و”الداعشيّة” أضافت إلى هذه “الشجرة العائليّة”، النادرة الوجود، طائفة أو طائفتين أو أكثر.
عمليّاً وميدانيّاً، تؤشّر المعلومات التي بدأت ترشح من هنا وهناك لكون “القصّة الرئاسيّة” غادرت “المجهول” الذي تقيم فيه منذ ما يقارب السنة، وغادر معها وهم “المرشّح القوي”، أو المرشّح الذي لا أحد مثله، ليبرز دور المرشّح الثالث، أي التوافقي.
مع تلميحات إلى أن الفراغ الرئاسي عاد ليحتلّ المرتبة الأولى، وفي صدارة الاهتمامات. محليّاً وخارجيّاً. وكلام الرئيس نبيه برّي كما كلام الرئيس سعد الحريري عن الاستحقاق والرئيس العتيد، إنما يصبّ في خانة “التوافقي”.
أما في خصوص الكلام والأحاديث عن “الرئيس القوي”، والمرحلة الحرجة ومتطلّباتها، فشرط القوّة لا يعني أن يكون الرئيس العتيد متمتّعاً بعضلات نافرة وجسد رياضي وصوت جهوري. فتاريخ لبنان المستقل بدأ برئيس قوي للغاية اضطر إلى الاستقالة ذات فجر نزولاً عند رغبة ثورة بيضاء. تلاه رئيس أقوى، ختم السنة الأخيرة من ولايته بثورة حمراء. ليعتلي السدّة الرئاسيّة أمير لواء قائد الجيش، لم يتمكّن من ترئيس مرشح يوفّر له سبل العودة…
الأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تُحصى. إذاً، علينا الاعتراف في ضوء هذه الوقائع والحقائق اللبنانيّة أن الرئيس القوي الذي يفتقده لبنان، ويحتاج إليه في هذه الظروف الحرجة، هو الرئيس المزوَّد إرادة قويّة، وقراراً صلباً، وعزيمة لا تهون، وعقلاً متنوِّراً، ورغبة صادقة في إنقاذ لبنان من كل هذه الأمراض والأوبئة الخطرة، التي طافت على سطحه، ولا تزال حتى اللحظة. إلى معرفة عميقة بالجغرافيا العربيّة، وهموم المنطقة، والمخاطر التي تزنّرها.
رئيس يعرف لبنان بكل معاناته، وما يحوي ويحمل من تناقضات وحساسيّات لا شبيه لها في أوطان أخرى، بحجمه وموقعه.
باختصار وإيجاز، القوّة المطلوب توافرها في الرئيس العتيد هي الحكمة والشهامة والتنوّر والانفتاح الكامل على جميع “الشعوب” المقيمة في هذه الجغرافيا المتواضعة.