عَكسَ خفض منظمة التجارة العالمية توقعاتها لنمو التجارة العالمية هذا العام بأكثر من الثلث التباطؤ في النمو في الصين كذلك انخفاض مستويات الواردات في الولايات المتحدة.
بعد فترة طويلة من النمو من خلال الاعتماد على التجارة العالمية ومفاعيل العولمة، بدأت الحكومات تسعى الى حماية صناعاتها في فترة اقتصادية صعبة. وحسبما أعلنت منظمة التجارة العالمية، سوف تنمو التجارة بنسبة ٨٠ في المئة من نمو الاقتصاد العالمي، وفقط بنسبة ١،٧ في المئة اي أقل من التقديرات السابقة للمنظمة والتي كانت ٢،٨ في المئة في نيسان الماضي.
عوامل عدة ساهمت في هذا التراجع سيما إعادة التوازن في الاقتصاد الصيني بعيداً من الاستثمارات والصادرات، ومن خلال التوجّه نحو الاستهلاك والخدمات والتي قد تكون أثّرت وبشكل فعلي على جميع انحاء العالم. قد تكون البلدان ذات الروابط التجارية القوية مع الصين تأثرت فعليا في ضعف الطلب الخارجي وضبط الانفاق في الصين بما يعني حتما تراجعا في تجارتها معها.
حسب تقرير صندوق النقد الدولي زاد احتمال انعكاس وضعية الصين على الاقتصاد العالمي خصوصا عن طريق التجارة وأسعار السلع، بما قد يؤدي الى فرز فائزين وخاسرين بين شركائها التجاريين، سيما مصدري السلع الاستثمارية مثل بعض دول منطقة اليورو والذين قد يتأثرون اكثر من مصدّري السلع الاستهلاكية. وكما ذكرنا فان عامل تباطؤ الصين وحده غير كافٍ لتفسير ما يحدث للتجارة الدولية.
ومن اللافت في هذا السياق حجم تباطؤ النمو في الاقتصاد الاميركي خلال السنوات الـ ١٧ الماضية سيما بين السنتين ١٩٩٩ و٢٠١٥ حيث كان معدل النمو ٢،١ بالمائة في السنة مقارنة بأكثر من ٣ في المئة تقريبا لكل عشر سنوات خلال العقود الخمسة الماضية. وجاءت تقارير الربعين الاولين من العام ٢٠١٦ لتظهر تباطؤ بأكثر من ٠،٨ في المئة و١،١ في المئة.
اقتصاديا، يبدو ان معظم مشاكل التجارة الدولية تتصل بحقيقة ان عددا من الدول التي تدير فوائض تجارية مزمنة تسبب عجزا بين شركائها التجاريين وهذا يفسر من الناحية الاقتصادية من خلال المركانتيلية والتي تدعو الى تشغيل الفوائض التجارية من اجل ان ينمو الاقتصاد بسرعة اكبر. هذا التفكير يدعم النمو الاقتصادي وزيادة السلطة السياسية في الدول ذات الفائض التجاري، بينما ينعكس سلبيا بشركائها والذين لديهم عجز تجاري.
من المهم القول هنا ان العلاقة بين الموازين التجارية والتغيرات في السلطة السياسية صارخة، ومشكلة العجز التجاري لا تزال دراستها غير مكتملة سيما لدى كروغمان وسلڤاتور واللذين لم ينظرا الى اسباب العجز التجاري كذلك لم يقدما الحلول له.
وجاءت تحذيرات المنطمات الدولية لا سيما منظمة التجارة العالمية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لتلقي الضوء على علاقة انخفاض التجارة بضعف النمو على المدى الطويل.
يقول Roberto Azevedo المدير العام لمنظمة التجارة العالمية ان هذا التباطؤ في نمو التجارة يجب ان يعتبر بمثابة دعوة للاستيقاظ لا سيما في سياق تزايد الشعور المناقض للعولمة. وقال ان علينا ان نتأكد من ان هذه لا تترجم الى سياسات خاطئة يمكنها ان تجعل الوضع اسوأ ليس فقط من منظور التجارة بل ايضًا من اجل خلق فرص عمل ونمو اقتصادي وتنمية وكلها ترتبط ارتباطا وثيقا بنظام تجاري مفتوح.
في مناظرة يوم الاثنين الماضي، بين المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركية دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، تفاقمت الامور لا سيما في ما يتعلق بالسياسات التجارية. وهدد ترامب باستخدام التعرفات الجمركية من اجل ردم الهوة في الميزان التجاري بينما حذرت كلينتون من ان هكذا اجراء يمكن ان يشعل حربا تجارية.
وكان تفاهمهما واضحا في شأن اعاقة الشراكة Trans-pacific وهو اتفاق تجاري بين اكثر من عشر دول مطلة على المحيط الهادئ بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان.
أكدت الدراسات التي نشرت في تشرين الاول عام ٢٠١٦ اسباب ضعف التجارة العالمية ومن أهمها:
١– ضعف النمو والاستثمار.
٢– التكاليف التجارية بسبب السياسات الحمائية.
٣– تباطؤ الانتاج للدول.
ظهر تباطؤ النمو جيدا بعد الأزمة المالية العالمية وفي العديد من المجموعات الكبرى والتي اما أظهرت تباطؤ في الانتاج او انها اتبعت سياسات حمائية من اجل الحفاظ على مستوى ولو ضعيف في نموها.
ولكن ماذا يعني كل ذلك بالنسبة للتجارة العالمية ومستقبلها لا سيما وان التجارة والنمو الاقتصادي يرتبطان ترابطا وثيقا: نمو اسرع يرافق تحرير اكبر للتجارة والمعالجات الجذرية ضرورية لا سيما وان العالم اليوم وكما أظهرت السياسات المالية المتتالية والداعمة لتحفيز النمو انها غير كافية وقد نكون بحاجة الى اساليب اخرى او اننا ذاهبون لا محال الى ركود.
الاكيد في كل ذلك فشل منظمة التجارة العالمية والذي دفع باقتصادات رئيسية الى ضرب الاتفاقات الاقليمية والقطاعية وقتل مفاعيل ال Doha Round ودفعت الى محاولة اجراء اتفاقيات جديدة تساعد على رفع الحواجز والغاء التعرفات، الا انها ما تزال غير واضحة المعالم وقد لا تلاقي تشجيعا كبيرا في بعض الدول.
هكذا يكون عامل التجارة يشهد تحولات هيكلية قد تدفع بالدول الى نقض العديد من المعاهدات، وقد تشل حركة منظمة التجارة العالمية في عالم مستقبله القريب ضبابي غير واضح وفيه الكثير من الانكماش والتراجع.