IMLebanon

مُكابَرة لبنانية في انتظار المراهنة الإقليمية

كما العادة، الضجّة الداخلية كبيرة لكنّ الرهان يَبقى على تطوّرات الخارج. لذلك تتصاعد المواقف وتعلو النبرة، إلّا أنّ نظرات الجميع مركّزة على المستجدّات الإقليمية والرهان على نتائجها وانعكاسها على الداخل. لذلك لا بدّ من استعراض آخِر المواقف الخارجية لقراءة التعرّجات السياسية للساحة اللبنانية.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يندفع أكثر فأكثر في سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط. وهذه السياسة لا تعني بالضرورة سياسة مناقضة للسياسة السابقة، لكنّها أكثر دينامية وأوضحُ تعبيراً وأقوى أسلوباً.

وليس سرّاً أنّ السلوك الإسرائيلي يُعبّر في جانب أساسي منه عن الأهداف التي تتوخّاها واشنطن في الشرق الاوسط انطلاقاً من أنّ إسرائيل تُعتبر الأداةَ العسكرية الأميركية، أو ربّما ثكنة عسكرية للجيش الاميركي تحت عنوان «دولة إسرائيل».

على الرغم من أنّ هذه الوظيفة لا تعني التطابق دائماً بل هناك هامش مناورة واسع لمصلحة اسرائيل باستثناء قرارات الحرب والعناوين الاستراتيجية. ومع وصول ترامب الى البيت الابيض بدت الحكومة الاسرائيلية اليمينية والمتشدّدة مرتاحة الى السياسة الجديدة.

ترامب المفتون بالعسكر انطلاقاً من سعيه لفرض هيبته على الجميع، أشرَك في حكومته جنرالات هم من رموز حرب العراق، واندفع في اتجاه فرض زيادة تاريخية على موازنة الجيش. صحيح أنّ هذا القرار يدفع الولايات المتحدة الاميركية خطوة في اتّجاه الحرب، لكنّه قرار يشكّل باب استثمار كبيراً لقطاع صناعة الأسلحة وللقادة العسكريين اكثر منه لولوج الحرب بعدما شكّل هؤلاء وما زالوا داعماً صلباً وقوياً للرئس الاميركي.

لكن ومع زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الاولى الى البيت الابيض في عهد ترامب، تصاعَد الحديث عن حرب جاري التحضير لها، وعنوانُها الاساسي ضربُ وتحجيم النفوذ الايراني المتصاعد خصوصاً في العراق وسوريا ولبنان.

وما شجّعَ على هذا الاستنتاج خروج نتنياهو مرتاحاً بعد اللقاء رغم طلب ترامب وقفَ بناءِ المستوطنات، الى درجة أنّ وزير الدفاع الاسرائيلي المتشدّد الى حدّ التهوّر افيغدور ليبرمان صرّح أنّ اسرائيل ترتكب خطأً كبيراً في حال قرّرت تحدّي إدارة ترامب في شأن المستوطنات.

وبالفعل، جمَّد نتنياهو بناء المستوطنات بعد عودته من واشنطن. وفيما سيزور نتنياهو قريباً تركيا للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كانت له جولة على بعض دول الخليج، تردّد على نطاق ديبلوماسي ضيّق أنّ رئيس الحكومة الاسرائيلية عرضَ خطّة تقضي بالإطباق على التمدّد الايراني تتولّاها تركيا من الشمال وإسرائيل من الجنوب، على أن تتولى القوة العربية المزمع تأليفُها أدواراً عسكرية وأمنية في مرحلة لاحقة في سوريا.

ويتسلّح أصحاب هذه النظرية بالحركة الاميركية المتصاعدة، ولا سيّما منها نشاط البعثات العسكرية وحركة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الاميركي، إضافةً الى التباين الايراني – الروسي، ما سيَجعل موسكو في موقع غضّ النظر.

لكنّ أوساطاً أخرى لا تبدو موافقةً على استنتاجات الحرب. فعدا النزاع الاميركي الداخلي والانقسام الحاد الحاصل والذي ألزَم ترامب بانعطافة في أسلوبه، في محاولةٍ لاستيعاب النقمة المتصاعدة، فإنّ الجيش الاسرائيلي لا يبدو قادراً على خوض ايّ حرب برّية وسط حالات فرار من الجيش ورفض الخدمة وتزايدِ حالات الانتحار.

لذلك مثلاً استبعَد رئيس الاركان الاسرائيلي غادي ايزنكوت اندلاع حرب جديدة الآن ضد «حزب الله» أو «حماس» عازياً السبب الى وجود أزمة معنوية واقتصادية لدى «حزب الله» بسبب الحرب في سوريا رغم اعترافه بأنّ الحزب اكتسَب خبرةً قتالية مهمّة خلال المعارك.

وتدرك اسرائيل أنّ الإرباك الذي كان من الممكن ان تعانيَه قيادة «حزب الله» في حال الضربة وقد تجاوزته منذ زمن حين جعلت لها ثلاث قيادات عسكرية مستقلة تماماً لثلاث تركيبات منفصلة ومستقلة تماماً. واحدة في سوريا وتتضّمن زهاء ثمانية آلاف مقاتل، وواحدة للداخل اللبناني وتُعتبر قوة احتياط، وثالثة للجبهة مع إسرائيل وهي القوّة الضاربة لديها.

أضِف إلى ذلك ما كشفَته صحيفة «يديعوت احرونوت» عن امتلاك «حزب الله» صواريخَ متطوّرة مضادة للسفن من نوع «ياخونت» وهي روسيّة الصنع وقادرة على تهديد المياه الاسرائيلية، إضافةً الى حقول الغاز في البحر. وأشارت الصحيفة الى انّ هذه المعلومات كشفَها مسؤولون استخباراتيون غربيون للوفد الاسرائيلي في مؤتمر ميونخ للأمن والذي عقِد أخيراً.

وقيل إنّ الطائرات الاسرائيلية استهدفت عام 2013 شحنتين من هذه الصواريخ كانت في طريقها من سوريا الى «حزب الله»، وإنّ اسرائيل كانت قد فوجئت في حرب 2006 بامتلاك الحزب صاروخاً مضاداً للسفن صينياً من طرازC-802 أصابَ إحدى سفنها العسكرية.

ما يعني في اختصار أنّ اسرائيل لا تبدو جاهزةً لا براً ولا استخباراتياً لخوض مواجهة جديدة مع «حزب الله»، فيما الحرب الجوّية تلحق أضراراً تدميرية لكنّها لا تغير في التوازنات على الارض.

رغم ذلك، هناك من يراهن على حركةٍ ما سيقوم بها ترامب في الشرق الاوسط للحد من نفوذ ايران. ما يعني أنّ لعبة الوقت واستثمار التطورات والمستجدات باتت تخضع لحسابات طرفَي المواجهة الاقليمية، واحدٌ يراهن على استثمار سياسي للتفوق الميداني في سوريا، وآخر يعوّل على تبدّل قواعد اللعبة واستعادةِ زمام المبادرة لإدخال تعديلات على الأحجام والقوى والأوزان.

ولبنان يخضع لمبدأ الانتظار والمراوحة في انتظار جلاء الصورة. ولأنّ اعتماد النسبية الكاملة في قانون الانتخاب الجديد سيَعني تكريسَ توازنات نيابية جديدة وربّما خروج قوى من دائرة التأثير والحكم، فإنّ التعويل على القبول به يبقى شِبه مستحيل خصوصاً أنّ الرهانات الاقليمية والمعطيات الدولية تبدّلت والرهان قائم عليها.

ويقال إنّ التقاطع الايراني – السعودي الذي انتجَ تسوية ميشال عون – سعد الحريري ما كان ليحصل لو تأخّر أسبوعاً إضافياً. فبعد جلسة انتخاب عون رئيساً للجمهورية بأيام معدودة انتُخِب ترامب رئيساً للولايات المتحدة وتبدّلت لهجة الدول المناوئة لإيران في المنطقة.

وفي الكواليس اللبنانية كلام عن لقاء مباشر بين الحريري ومعاون الأمين العام لـ»حزب الله» حسين خليل. وعلى رغم اهمّية اللقاء في حال حصَل، فإنه لا يبدو انّه سيحمل جديداً في ظلّ الصورة الإقليمية الحالية.

كذلك، فإنّ التباين «الكهربائي» بين رئيس الجمهورية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد يحمل في طيّاته نكهةً سياسية بعد استعادة التفاهم بين الحريري وجعجع، على الرغم من انّ «للتباين الكهربائي» اسباباً اخرى تتعلق بخلاف غير معلَن حول التعيينات في الإدارة وتشكيل اللوائح الانتخابية.