IMLebanon

قصة كفاح “جامعية” كسرت القاعدة: فرن وإسبرسو وسائقة فان

 

بكلّ ثقة، تحضّر وفاء كوب نسكافيه لزبون عابر، السيدة الثلاثينية تعمل في الإسبرسو والفرن وسائقة فان، بالرغم من أنّها خرّيجة جامعية باختصاص التجميل و”التاتو”. الشهادة لم تقدّم لها عملاً، فاختارت ابتكار عملها الخاص، ضاربة بعرض الحائط كلّ المواثيق التي تمنع المرأة من العمل في مهن ذكورية، “على العكس، أثبتُّ أنّ المرأة قدّها وقدود”.

 

لم تأبه السيدة وفاء يوماً لإنتقادات الناس، لم تُعِر إنتباها لكلامهم، إنصبّت أولوياتها على مساعدة عائلتها لمواجهة الأزمة الإقتصادية التي تعصف بالوطن. منذ عام، أصبحت “فرّانة”، تقف خلف فرنها اللاهب، تعجن العجين، وتدوّره كما تدوّر أزماتها المعيشية، ترقّه علّها تحصل على فسحة أمل، بعيداً من ويلات الغلاء الذي قضّ مضجعها وانعكس على عملها.

 

في فرنها الصغير في بلدة القطراني، تعمل وفاء، إبنة الثلاثة وثلاثين ربيعاً، خاضت تجربة الفرن بكلّ ثقة، أدركت أنّ الشهادة في لبنان لا تُطعم خبزاً، وأنّ انتظار فرصة عمل هي بمثابة إنتحار لأحلامها، فعقدت العزم على فتح فرنها، يعاونها زوجها… هي أمّ لثلاثة أولاد لم يتجاوز عمر أكبرهم الخمس سنوات، ترى أنّ الحال يتّجه للأسوأ، وبالرغم من ذلك لم تفقد الأمل. وِفق قولها، “المرأة خزّان اقتصادي كبير يجب إستغلاله جيداً ولا شيء مستحيلاً على المرأة”.

 

داخل الفرن “ترقّ” وفاء العجين، تُلبّي طلبات الزبائن، تُعدّ لهم المنقوشة بكثير من الحبّ، وتقدّمها مع إبتسامة أمل لأنّه ـ كما تقول ـ “يجب ألا نفقد الأمل لأنّنا بذلك نفقد طموحنا وأحلامنا ومستقبلنا”.

 

“أخت الرجال”، كما يسمّونها، كسرت ذكورية المهن. بثقة تُردّد “الإستسلام يعني الموت، ولست ممّن يستسلمون، على العكس أرى عملي مركز قوة لي ولعائلتي، وعلى كل إمرأة أن تقتدي بي، لأنّ العمل سلاح المرأة الإقتصادي لمواجهة الظروف”. خلف إبتسامتها، هناك قصة كفاح إمراة في جنوب لبنان، إمرأة تعمل في ظروف صعبة “خلقت منّي إنسانة قويّة صلبة، لا تنكسر”. تُدرك السيّدة أنّ لا وجود للإستسلام في هذا الوطن، وتعترف بأنّ العمل دستور المرأة. أيقنت باكراً أنّ الدولة لم تأبه للمواطن، ولطالما وقفت قوانينها الجائرة ضد المرأة، فاختارت الإنقلاب على كلّ شيء. ترى في خطوتها جرأة وتحدّياً للظروف المحيطة بها. لم يكن ذنبها أنّها ترعرعت في كنف منزل فقير، إعتاد بناء قوته الإقتصادية بالعمل والإصرار، صحيح لم يكن وارداً في سجلّاتها العلمية أن تكون “فرّانة” أو سائقة “فان” لكنّها ليست نادمة. على العكس، تتحدّث بكل ثقة، فعملها مكّنها من بناء قوة ذاتية وشخصية صلبة، أهَّلها لتصبح رائدة في ميدان العمل، برأيها “نعيش في مزرعة إسمها وطن غير مؤهّل لنعيش داخله، يحيطنا الغلاء والفساد والاحتكار، وكلّ فريق يملك مزرعة ونحن الضحية”.

 

أكثر ما يلفت الإنتباه أنّها تقوم بالعمل وحيدة، أي انها تقوم بعمل مجموعة من دون تأفّف أو تململ. على العكس، تعكس إبتسامتها حالاً من الرضى، لا تُخفي أنّ الأزمة الاقتصادية تركت أثرها على عملها داخل الفرن، وتراجع الحال كثيراً، لكنّها تجزم: “لن انكسر أو استسلم، سأستمرّ في العمل بالرغم من كلّ التحديات، لا بدّ من انفراج ما”.