لم نشهد خلال السنوات الماضية مقاربات نقدية جدية لمناهج التعليم، أو مطالعات تفتح نقاشاً لمعالجة الثغر او إدخال تعديلات ضرورية على المناهج والكتب، خصوصاً تلك التي تفتح آفاقاً في الاختصاصات العلمية، وتلك الجدلية كمنهج التاريخ الذي استمر ملفاً خلافياً بين القوى السياسية والطائفية. وإذا كنا في هذه المرحلة من فراغ المؤسسات اليوم، فمن غير الممكن التصدي حالياً لموضوع المناهج الشائك تربوياً وسياسياً أيضاً، واي نقاش هو بمثابة مضيعة للوقت، طالما أن لا أحد يستطيع أن يبادر وان يأخذ قراراً على عاتقه في غياب موقع الرئاسة الاولى وتعطل التشريع وتوقف مجلس الوزراء، وانعدام الحياة السياسية في البلد.
في وضع طبيعي لا يمكن مناهج أن تستمر 18 عاماً من دون وضعها على مشرحة النقد، على الاقل اعادة النظر ببعض عناوينها الإشكالية وكتبها ومواكبة الجديد. هذا لم يحصل في لبنان، فكيف يمكن اذاً متابعة ما يحصل في مدارس عدة تحت عنوان التعليم الديني، وفي مدارس تابعة لجمعيات دينية، وايضاً أولئك التلامذة والطلاب الذين يعيشون في أجواء دينية يتابعون دروساً بموازاة المدرسة والجامعة وأكثر. فهل تستطيع وزارة التربية أن تراقب حصص التعليم الديني والتحريض الذي يخرج من مدارس تابعة لجمعيات تقدم نفسها انها اسلامية؟ وايضاً بعض المدارس الرسمية والخاصة؟ وبعض اساتذة التعليم الديني الذين يبثون افكاراً متطرفة تدخل كلها تحت عنوان “التكفير”، وماذا عن مدارس الاحزاب والجمعيات التي تستقطب أولاد اللاجئين السوريين الذين لا يجدون مكاناً أو مقعداً لهم في مدارس رسمية بسبب ضعف التمويل الدولي لتعليمهم، فيستغلون لغايات سياسية؟
وما معنى أن يترك طالب هندسة لبناني جامعته ويفجر نفسه في عملية انتحارية في العراق؟ فكيف أصبح متطرفاً، ومنتمياً الى “داعش”؟ وغيره العديد الذين ينخرطون في قتال خارج البلد؟ ربما حان الوقت للاعتراف أن في لبنان طلاباً وشباباً يتبنون الفكر المتطرف والارهابي والتكفيري، بالرغم من تنوع مؤسسات التعليم. وهل نفاجأ عندما يتحدث تلميذ في منطقة من الأطراف، عن أفكار تعلمها في جلسات خارج مدرسته وتعكس اضطراباً شديداً لديه عن “كيفية التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين”؟ نفاجأ وهو في الصف الخامس أساسي يقول: “من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، كفر”. فما نشهده يستدعي التنبه من موجة تطرف جديدة تطال الساحة التربوية، لا تقتصر على تفسير ديني بعينه، فتتوزع فتاواها ضد التنوع والآخر، وتتأثر بها المدارس والجامعات، وهذا بذاته حكم تكفير. ويتحدث التلميذ عن نصوص اخرى يحفظها غيباً كفيلة بأن تغرس مشاعر الكراهية وتحوله متطرفاً ضد الآخر، فينظر اليه، مهما كانت انتماءاته، على أنه كافر ويحوله لاحقاً الى هدف جهادي. فهل ننتظر كي تستفحل موجة التطرف في التربية؟