Site icon IMLebanon

«رئيس ظلّ» في المركز التربويّ: تطوير المناهج أم تهريبها؟

 

من يدير عملياً مشروع تطوير المناهج التعليمية بعد 25 عاماً على وضعها؟ من يأخذ القرار؟ ومن يسيّر لجان العمل؟ هل ما يحصل هو إعادة إنتاج للمناهج أم مجرد تعديل للمناهج السابقة؟ وهل استخدام مصطلح تطوير هو لتهريب المشروع بقرار في مجلس الوزراء بعد إعلان الإطار الوطني الذي سيرسم ملامح خطة المناهج في 13 نيسان، من دون الحصول على مرسوم جمهوري؟ أسئلة تضجّ في الأوساط التربوية، وسط غياب أي سلطة فعلية للمركز التربوي، ووجود «رئيس ظلّ» ومستشارين «نافذين» أقوى من التربويين وأهل المركز

 

يضرب رئيس المركز التربوي للبحوث والإنماء بالتكليف، جورج نهرا، لنا موعداً في مكتبه في المركز للحديث عن مشروع تطوير المناهج للتعليم العام ما قبل الجامعي. نصل في الوقت المحدّد، فنراه ينتظرنا مع مستشار وزير التربية للسياسات التربوية، منير أبو عسلي، ومستشاره جهاد صليبا. للوهلة الأولى، يقفز إلى ذهننا ما يجري التهامس به في الأوساط التربوية لجهة أن الرئيس الفعلي الذي يدير المشروع الحالي لإنتاج المناهج الجديدة هو أبو عسلي، الشخص نفسه الذي أدار مناهج عام 1997، وأن هناك مديراً تنفيذياً هو جهاد صليبا، فيما يبدو رئيس المركز أشبه بـ»شاهد ما شفش حاجة». شيئاً فشيئاً تنجلي الصورة لدى السير في المقابلة. لا نتأخر في تلمّس تحكّم وزارة التربية، عبر أبو عسلي، بقرار المركز الذي هو مؤسسة عامة مستقلة مناط بها إعداد المناهج التعليمية، إذ جرى التركيز مراراً، خلال اللقاء، على أن الاتفاق المبرَم في عام 2016 لتطوير المناهج، هو بين البنك الدولي، المموّل الأساسي للمشروع، ووزارة التربية التي تدير الأموال وليس مع المركز، فالأخير مكلّف بإعداد خطة عمل يوافق عليها الوزير وفق المعايير التي يضعها المموّل، ومشروطة بمهل محدّدة للتنفيذ.

 

رئيس المركز، الذي يفترض أن المقابلة معه «استأذن» من المستشارَيْن ليقدّم عدداً من المداخلات التوضيحية المحدودة والمكرّرة للمعلومات، فكان عملياً «رئيس ظلّ» في اللقاء، فيما ظهر المستشار أبو عسلي «رئيساً» حقيقياً يملك السلطة الفعلية والقرار النهائي. أما صليبا فأخذ الكلام من الرئيس، منصّباً نفسه محامي الدفاع عن المشروع. تولّى، معظم الوقت، منفرداً، مهمة الإجابة عن أسئلتنا الكثيرة حول كلفة «التطوير» ومصادر تمويله، وملاحظات التربويين بشأن عدم الوضوح في عمل اللجان التي تعمل في المشروع وأدوارها وصلاحياتها ومعايير تشكيلها وعلاقاتها الأفقية والعمودية. وبدا أن صليبا يملك الصلاحيات الإدارية والتربوية والمالية، وقد أُعطي مهامّ إدارة هذا الاستحقاق المصيري تربوياً ومالياً، عبر تولّيه رئاسة لجنة منسّقية المناهج، وهي التي تربط جميع اللجان المعنية بالمناهج التي تشكّلت وتلك التي في طور التشكيل، ومنسقية برنامج S2R2 (مبادرة البنك الدولي لتوفير التعليم لجميع الأطفال). ولدى سؤاله عمّا إذا كان هناك تضارب بين المسؤوليتين الأولى كمنسق لبرنامج S2R2، والثانية كمنسّق عام لأحد المشاريع الأساسية وهي المناهج، نفى هذا الأمر.

 

 

 

غياب الشفافية المالية

بحجج مختلفة، تهرّب صليبا من التصريح عن المبلغ المخصّص لمشروع المناهج، والمصروف حتى الآن، معتبراً أن الإفصاح عن الأرقام يحتاج إلى إذن وزير، لكنه في المقابل صرّح بأرقام أخرى بهدف الدفاع عن رئيس المركز حيال الاتهامات التي طاولته في ما يتعلق بترميم المركز. قال صليبا إن مشروع تطوير المناهج مموّل من هبة البنك الدولي بقيمة 100 مليون دولار (البنك قدّم 204 ملايين دولار لدعم التعليم منها 100 مليون دولار هبة و104 ملايين دولار قرض ميسّر)، و»ليس هناك مبلغ ثابت وسقف للصرف للمناهج، الأمر يتعلق بالمعايير التي يضعها البنك الدولي على الخبرات والاستشارات». وأشار إلى أن المبلغ المرصود للخطة «فوق 7 ملايين دولار»، وهو رقم كبير نسبياً، بحسب مصادر خبراء في الإدارة التربوية. لكن هل يؤثر التمويل الأجنبي على خصوصية الواقع اللبناني؟ أجاب: «نحن نتحكّم بالتمويل الأجنبي وليس هو من يتحكّم بنا، فالبنك الدولي وفريقه التقني لم يتدخلا يوماً في أي تفصيل».

 

لجان المناهج

في السياق الزمني للعمل على المشروع الذي يشرحه صليبا، أنه جرى تكليف لجنة أكاديمية من 12 شخصاً، من داخل المركز وخارجه، ومنهم باحثون من الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية لإجراء 8 دراسات طاولت المجتمع التربوي والإدارة التربوية والواقع اللبناني، ومن ثم العمل على وثيقة الإطار الوطني للمناهج. وقد أنتجت هذه اللجنة، بحسب صليبا، 100 صفحة وصفحتين عُرضت على هيئة التخطيط في الوزارة التي يرأسها وزير التربية وتضمّ أبو عسلي والمدير العام ورئيس المركز التربوي وممثلين عن الجامعات الخاصة والتعليم المهني، «وتبيّن أن هناك مشكلتين في المعايير العلمية وفي الكادر التنظيمي الإداري الذي يتعارض مع الخطة الخمسية لوزارة التربية التي أعلنها وزير التربية السابق طارق المجذوب في مؤتمر صحافي في آب2021. تفاصيل الخطة اطّلع عليها صليبا ومنسّقة الهيئة الأكاديمية في المركز ورئيسة مكتب الإعداد والتدريب فقط، مع غياب تام لأفراد الهيئة الأكاديمية.

 

 

ثم نُظمت، بحسب صليبا، ورشة عمل مشتركة لإدخال التحسينات على وثيقة الـ100 صفحة وصفحتين، بحسب إطار (template) معتمد إقليمياً اقترحته خبيرة المناهج في منظمة اليونسكو ديكمارا جورجيسكو.

لكنّ بعض التربويين المشاركين في اللجنة يتساءلون عن الدور الحقيقي لخبيرة اليونسكو، وعلاقتها بالمناهج، هل هو فقط للمساعدة على وضع الإطار، أم باتت هي المرجعية التي تُرسل إليها أوراق العمل التي تُكتب باللغتين الإنكليزية والعربية، علماً بأن «اللجنة أصرّت على أن تُكتب كلّ الأوراق بالعربية، إلا أنه لم تسنح لها فرصة عرض نتائج الدراسات وتنظيم ورش عمل موسّعة مع المجتمع التربوي لمناقشتها وأخذ الملاحظات عليها، كما لم تُطبع الدراسات التي أُنجزت في تشرين الثاني الماضي حتى اليوم.

 

ملاحظات الخبراء

صليبا أوضح أنه طرأت تعديلات كبيرة على الإطار، ولا سيما بعد أخذ ملاحظات القطاع الخاص من مدارس وجامعات خاصة وتفتيش تربوي. وباتت هناك 4 لجان تهتمّ بالمشروع: المنسّقية العامة للمناهج التي يرأسها صليبا، هيئة التخطيط التي يرأسها العميد السابق لكلية التربية في جامعة البلمند جورج نحاس، واللجنة العليا للمناهج، ولجنة ضمان الجودة التي هي طور التأليف، ونلاحظ أن رئاستَي اللجنتين المشكَّلتين حتى الآن لا تعودان إلى القطاع العام. وجرى إنتاج وثيقتين هما الإطار المرجعي للمناهج، والورقة التوجيهية. وقد عُقدت ورش عمل في المركز التربوي لأخذ ملاحظات التربويين وإدارات المدارس الخاصة، واتحادات لجان الأهل ونقابات وروابط المعلمين والطلاب في ما يخص الوثيقتين. تستغرب روابط التعليم الرسمي الدور المضخّم لاتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي يبدو أنه يغطي المشروع مقابل تبادل المصالح مع المستشارين. إلا أن اللقاءات وُصفت بالـ «فولكلورية»، لكون لجنة التخطيط لم تأخذ بالجزء الأكبر من الملاحظات. وفق مصادر تربوية متابعة، لم يعرف المشاركون في الورش من هم الخبراء الذين وضعوا هاتين الوثيقتين، حتى إن هيئة التخطيط التي تتولى مهمة جمع الملاحظات لم تكن تعلم بتفاصيل المضمون. ومن الملاحظات، الاعتراض على إضاعة الجهود السابقة والتغافل عنها لصالح ورقتين غير علميتين. ومن النماذج الفاقعة في سمات المتعلّم شطب سمة «الإنسان الملتزم بالولاء لوطنه لبنان والدفاع عنه، مقاوماً كل اعتداء عليه بمختلف الوسائل المشروعة». في الوثيقتين لا ذكر للعدو الإسرائيلي أو محاربة الفساد مثلاً.

 

المبلغ المرصود للخطة يتجاوز الـ7 ملايين دولار وهو رقم كبير نسبياً

 

 

ثمّة من يعتقد أن تريّث وزير التربية في تكليف رئيس جديد للمركز التربوي وتطبيق قرار مجلس شورى الدولة، بإبطال تكليف الرئيس الحالي، هو لتقطيع الاستحقاق وإعلان 13 نيسان. والسؤال هل سيكون توقيع نهرا على خطة المناهج قانونياً؟

غلبت المفردات المبهمة على المقابلة، فلم تُذكر في كلّ الحديث نظريّة تربويّة جرى نقدها أو نوقشت أُسس تعديلها، أو فلسفة أو تجربة تربويّة مهمة سيأخذ المركز منها. فما الخاص في الـ template / الإطار الذي تقترحه الأونيسكو؟ وكيف يناسب لبنان ولماذا؟ ما التحديات الأساسيّة التي على المنهج تخطّيها ومعالجتها؟ كيف سيُربط المنهج مع متطلبات السوق العالميّة؟ ما الذي سنأخذه من التجارب العالميّة الناجحة كفنلندا وغيرها؟ ما الحلول التربويّة التي ستُقدَّم للأزمات التربويّة والاجتماعيّة التي يواجهها البلد منذ عقود مثل العنف والتمييز والطائفيّة وغيرها؟ لا كلمة في الجوهر، كلّها سرديات على هامش التحاصص، لجنة كذا ولجنة مؤلّفة من فلان وفلانة، ما ينذر بكارثة تربويّة حقيقيّة، نشتريها بديون إضافيّة تترتّب على الأجيال المقبلة من اللبنانيين، يجب تفاديها بأيّ ثمن!

 

جهاد صليبا مهندس مناهج؟

يقدّم مستشار رئيس المركز التربوي، جهاد صليبا، نفسه خبيراً تربوياً يعمل في مجال التربية منذ عام 2000، وحائزاً شهادة الماجستير في هندسة المناهج وخلق النظام التربوي من جامعة باريس ـ 4، وأنه ترك اللاهوت، بعدما كان أستاذاً في مدارس الحكمة، ومديراً فيها لمدة 13 سنة، وشارك في إنتاج مناهج في الهند ودبي، ولديه شركته الخاصة في الاستشارات التربوية، ما يترك علامات استفهام حول تضارب المصالح. إلا أنّ بدايات التحاق صليبا بالمركز التربوي، بحسب محضر جلسة اللجنة التنفيذية لمشروع S2R2 التي عُقدت بتاريخ 6 تموز 2020، برئاسة الرئيسة السابقة للمركز، ندى عويجان، كانت الاستعانة بخدمات صليبا في تنسيق أعمال الفريق العام المخصّص لتطوير المنهج بغية التأكد من أن النواتج ستكون جاهزة بحلول المهل النهائية المحددة لكل منها، أي أنّ صليبا أتى كمساعد لخبير المناهج ولم يجرِ التعاقد رضائياً معه كخبير مناهج، قبل أن يُستبعد الخبير ويحلّ صليبا مكانه. ومن خلال متابعة موقع «لينكدإن» (linkden) يتبيّن أنّ صليبا نشر سيرته الذاتية مرتين بطريقتين مختلفتين، أي أنّ اسم الجامعة ونوع الاختصاص اختلف في المرّتين وبقيت سنة نيل الشهادة هي نفسها. ومع أنه قال إنه حصل على الماجستير من جامعة باريس ـ 4، يقول على موقع «لينكدإن» الجديد الخاص به أنه نال الشهادة من جامعة باريس ـ 1.

 

وكان نشر في السابق عنوان رسالته:The Lebanese School System Between Religious Pluralism and Social Cohesion”- النظام التعليمي اللبناني بين التعدّدية الدينية واللحمة الاجتماعية»، وكما هو واضح لا علاقة لموضوع رسالته بالتربية، بل هي بحث اجتماعي ديني، كما أنه يحمل إجازة بالدين والفلسفة واللاهوت. (راجع «الأخبار» الأربعاء 8 أيلول 2021)

وفي المقابلة، قال إلى «الأخبار» أنه عمل على الصراعات الثقافية للمجتمع اللبناني (les conflits culturels de la société libanaise) أما الدكتوراه في التربية فلا ينفي عدم حيازته لها، مشيراً إلى أنه سجّل دكتوراه في الجامعة اليسوعية.