Site icon IMLebanon

دراسة «آراء»: 86 % مع التحركات المدنية.. و70 % مع الحوار

حرص شعبي على الاستقرار.. ينعكس دعماً للقوى الأمنية

دراسة «آراء»: 86 % مع التحركات المدنية.. و70 % مع الحوار

في 22 آب الماضي. انطلقت الشرارة الفعلية للتحركات الشعبية المعترضة على السياسة الحكومية في التعامل مع ملف النفايات. لكن تاريخ 29 آب انطلق من سوء إدارة ملف النفايات، ليؤسس لمرحلة اعتراضية أشمل تطال كل نهج الفساد القائم منذ ربع قرن حتى الآن.

تظاهرة التاسع والعشرون من آب، جعلت الجميع يعيد حساباته، ويتبرأ نظرياً من تهمة الفساد التي تطاله، من خلال إعلان تأييده للحراك المدني أولاً ومن خلال السعي إلى حفظ ماء وجه السلطة، عبر تأييد عقد طاولة الحوار، ثانياً.

تمكنت التحركات الشعبية من فرض نفسها سريعاً على جدول أعمال المواطنين والمسؤولين على حد سواء. ولكنها وبرغم الدينامية التي خلقتها، بعد عقود من الركود السياسي، إلا أنه لم يكن بالإمكان قياس مستوى هذه الدينامية في غياب أي تقييم علمي للتحركات، بالمقارنة مع أداء السلطة وطريقة تعاملها مع الحراك وشعاراته.

ولعل البحث الذي أعدته شركة «آراء للبحوث والاستشارات» بإشراف مديرها طارق عمار، يعطي صورة أوضح للاتجاهات الشعبية في التعاطي مع القضايا الراهنة، وكيفية رؤيتها للطرفين المستجدين للصراع، الذي ينتقل، أو يكاد، من صراع بين أقطاب السلطة على المكاسب والحصص إلى صراع بين السلطة والناس.

مندسّون أو محتجون؟

في البحث الميداني الذي أجرته، بين 28 آب و4 أيلول، على عينة من 500 شخص موزعين مناطقياً وديمواغرافياً بحسب التوزيع السكاني في لبنان، ثمة تأييد واضح للتحركات الشعبية (86 في المئة من المستطلعين)، مرفقاً بالثقة باستقلالية الحركات الشبابية (64 في المئة) التي تقود هذه التحركات، وهو ما يظهر أن الحملات المكثفة التي شنها أقطاب السلطة على بعض منظمي التحركات، ولا سيما حملة «طلعت ريحتكم» لم تلقَ تجاوباً كبيراً لدى الجمهور. أما أعمال الشغب التي شهدتها بعض التظاهرات، فاعتبر 58 في المئة أن مثيريها مندسّون، فيما وصفهم 30 في المئة بأنهم شبان محتجون.

لا يتردد المستطلعون في تحميل الطبقة السياسية كلها مسؤولية أزمة النفايات (47 في المئة)، وإذا ما أضيف إليهم 31 في المئة ممن يحمِّلون المسؤولية للحكومة و3 في المئة للمجلس النيابي، فإنه يتبين أن 81 في المئة من الناس يحمِّلون السلطة الحالية، بمؤسساتها الدستورية وزعاماتها التقليدية والطائفية المختلفة، مسؤولية أزمة النفايات.

هؤلاء لا يكتفون بتحميلها مسؤولية ما وصلت إليه الأمور إنما يحكامونها أيضاً على أدائها في التعامل مع الأزمة بعد نشوئها، حيث يقيّم نحو 65 في المئة أداء السلطة (مجلس النواب ومجلس الوزراء) بأنه سيئ جداً ويضاف إليهم نحو 20 في المئة يقيِّمون هذا الأداء بأنه سيئ إلى حد ما.

70 % مع اعتصام دائم

في المقابل، فإن التقييم الإيجابي يصبح جلياً عندما يتعلق الأمر بمنظمي التحركات المدنية، حيث تصل نسبة من يقيِّمون أداءهم جيداً أو ممتازاً إلى 70 في المئة.

يبين الاستطلاع أن معدل الحماسة للتظاهرات الشعبية مرتفع، وهو لا يقتصر على تأييدها من بعيد، إنما يتعداه إلى الاستعداد للمشاركة، حيث تصل نسبة من يؤكدون أنهم سيشاركون ومن يرجحون ذلك إلى 60 في المئة. لكن بين من يريد المشاركة شخصياً وبين من يرفض المشاركة ميل عام لتأييد تصعيد التحركات، كالاعتصام دائماً في ساحة الشهداء (70 في المئة) من دون أن يعني ذلك الوصول إلى تأييد تحركات ربما يعتقدون أنها تهدد السلم الأهلي أو تؤدي إلى الفوضى، كالعصيان المدني، الذي يعارضه نحو 57 في المئة من المستطلعين مقابل 36 في المئة يؤيدونه.

تلك الحماسة للتحرك ضد السلطة، لكن تحت سقف المؤسسات، ينعكس تأييداً عالياً لمحاسبة كل من الوزيرين نهاد المشنوق (57 في المئة) ومحمد المشنوق (59 في المئة)، وهو تأييد يبدو بحسب الاستطلاع أنه عابر للطوائف، وبالتالي عابر للاصطفافات الطائفية القائمة، بما يعني عملياً تغييراً في طريقة تعامل الناس مع زعاماتهم وأحزابهم.

انتخاب الرئيس أولاً

في المقابل، وتحت سقف الحفاظ على الدولة والسلم الأهلي، فإن هؤلاء أنفسهم يرفضون محاسبة القوى الأمنية، انطلاقاً من أن من يتحمل المسؤولية هي السلطة السياسية.

يؤيد المستطلعون الحراك الشعبي، كما تبين سابقاً، لكن هذا التأييد لا ينطلق من رفض الطبقة السياسية الحالية بقدر ما ينطلق من رغبة شديدة في إصلاح أوضاع البلد. وإذا كانت استقالة الحكومة هي المدخل فلا مانع من ذلك، كما يتبين من رأي نحو 60 في المئة من المستطلعين، مقابل نحو 35 في المئة لا يؤديون استقالتها. إلا أنه يكاد يوجد إجماع على أن البديل الأفضل للحكومة الحالية هو حكومة تكنوقراط تعبر بالبلد إلى شط الأمان (70 في المئة).

وكان لافتاً للانتباه أن نسبة تتجاوز السبعين في المئة من العينة المستطلعة تؤيد دعوة الرئيس نبيه بري إلى طاولة الحوار وأولوية انتخاب الرئيس. وهذا تأكيد آخر على أن الناس يؤيدون الحراك كجزء من تأييدهم لأي حل يمكن أن يعيد انتظام عمل المؤسسات. وهو ما يختلف مع رؤية منظمي التحركات الذين لم يضعوا انتخاب الرئيس ضمن أولوياتهم، وهم ينزلون إلى الشارع غداً رفضاً لطاولة الحوار التي يعتبرونها «طاولة للمحاصصة».

يقتنع منظمو التحركات أن انتخاب الرئيس من عدمه، على أهميته، لن يؤثر في الأوضاع الصعبة التي يعيشها اللبنانيون. وهؤلاء يدركون أن أزمة النفايات ليست حكماً مرتبطة بالفراغ الرئاسي، http://192.168.0.8/newspress/backup/files/images/2015/09/7/29745.jpg?tmp=1441653783 كما أن حلها ليس مرتبطاً بانتخاب الرئيس.

النسبية أولوية

أما الأمل بإمكان تعديل موازين القوى وإعطاء الشعب الفرصة لمحاكمة السلطة، فممره الإلزامي هو قانون انتخاب نسبي يسمح بالتعبير عن توجهات الشعب اللبناني في المجلس النيابي، بعيداً عن سياسة المحادل. وهذه الحقيقة لم تعد مقتصرة على النخب كما كانت عندما طرحت مسألة القانون النسبي بين الأوساط السياسية مع «قانون فؤاد بطرس».

بعد سنوات من الأخذ والرد حول القانون الانتخابي، صارت أغلبية اللبنانيين مقتنعةً بضرورة اعتماد النسبية في أي قانون جديد. وإذا كان السياسيون لم يعودوا قادرين على التملص من قانون يعتمد النسبية كلياً أو جزئياً، فإن اختلافهم برز عبر سعي كل منهم إلى تسويق النسبية التي تؤمن له الأكثرية، من خـلال تضييق أو توسيع هوامش استعمالها، بالإضافة إلى طرق تقسيم الدوائر.

اليوم، وبعد أن صار الناس أكثر إدراكاً لأهمية القانون النسبي، على ما يُظهر البحث الميداني (54 في المئة يؤيدون قانوناً على أساس النسبية مقابل 19 في المئة يؤيدون النظام الأكثري)، لم يعد الخلاف المصلحي بين أقطاب السلطة سهلاً: المطلوب قانون عصري يعطي فرصاً عادلة للجميع، والأهم أن لا تكون نتائجه معروفة مسبقاً.

73 % مع الإجماع الحكومي

في ظل الشلل المتمادي في عمل الحكومة، والخلاف السياسي الدائر حول آلية عملها، كان لافتاً للانتباه، في الاستطلاع الذي أجرته شركة «آراء للبحوث والاستشارات»، رفض أغلبية العينة اتخاذ أية قرارات في مجلس الوزراء من دون حضور كل الوزراء. حيث اعتبر 73 بالمئة من الذين شملتهم العينة أن اتخاذ القرارات يتطلب إجماع كل الوزراء، فيما أيد 21 بالمئة من العينة فقط اتخاذ القرارات من دون حضور جميع الوزراء.