IMLebanon

تعثر التأليف نتيجة رهانات البعض على الخارج

سؤال يتم طرحه في الأروقة السياسية: لماذا يتم التعثر في تأليف الحكومة فيما المنطقة بأسرها مقبلة على تغييرات جذرية بالاتجاه نحو الحسم الميداني؟

ما لفت نظر المراقبين أن ثمة تراكما واضحا في الخيارات وهي بمعظمها تعبر عن عمق الصراع السياسي وعن تورم واضح عند فئات كثيرة في الانكباب غير الموضوعي على وزارات صنفت بحسب المكاسب منها ما يمثل  واقعا استراتيجيا عند بعضهم في تثبيت خياراتهم في قلب المشهد الداخلي عطفا على المشهد الخارجي، ومنها ما يثبت مكاسب ضيقة شاء بعضهم حجبها ورصفها ضمن طوائفهم فيبتدعون من جوفها معايير يفيدون منها وبخاصة في قبضهم على كل مفاصل الوزارات الأخرى من باب التحكم الطائفي بها. وهذا ما رآه مراقبون متناقضا مع الفلسفة الميثاقية. تشير الى كل هذا تعابير الشروط وأشكالها الفاقعة جداً، وكأن المبتغى تشويه النصر المتحقق بوصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة وضرب المسعى وبتر المبتغى وسحق المعنى خلف هذا التورم والتشهون بالعبارات النافرة والشروط الملتبسة.

وتشير بعض الأوساط الى ان المتضرر الأول هو حزب الله، المسألة ليست بين المسيحيين والشيعة كما حاول بعضهم التصوير. ويتفهم التيار الوطني الحر بحسب مصادر قريبة حرص الحزب على عدم إثارة مشكلة ضمن بيئته، واشارت الى إن تأليف الحكومة في رأي تلك الأوساط يجب أن يعبر عن تطور نوعي تجاه قبول الأفرقاء بها، والاتجاه نحو تطوير سريع ونوعي لحالة التأليف وصولا إلى إقرار قانون انتخابات يعبر عن الجوهر الميثاقي بجودة تخاطب العقول بلا استكبار واستعلاء وبلا عزل أو دفع بعضهم نحو الانعزال. وتشير الأوساط عينها الى أنه لا يمكن التعاطي مع العماد عون كرئيس للجمهورية وكأنه امتداد لما سلف. فهو معطى مسيحي لبناني ومشرقي حائز دعم كنيسته وما احتفال البطاركة به في بكركي إلا تعبير فصيح عن نوعية الدعم وهذا لم يحصل مع أسلافه، يضاف إليه ذلك الحشد المتدفق نحو قصر بعبدا مؤكدا بالتلاحم النوعي والكمي أنه معطى راسخ ليس في لبنان بل في المشرق العربي.

لا يشير التعثر في التأليف إلى حالة داخلية، فبعضهم لا يزال يراهن على تطورات الخارج على صعيد مواقف ممكنة على مستوى الإدارة الأميركية وبعضهم الآخر يترقب تعيين الحكومة الجديدة في أميركا وبخاصة على مستوى الإدارة ووزارة الخارجية وكأن السلوك الرائع قائم على تغلب ما يسمى بالاستابليشمنت على مواقف دونالد ترامب الشفافة تجاه سوريا. غير أن قراءة السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين واضحة من حيث التوصية والتوصيف. فقد أوصى بالتوازن ومعنى التوازن واضح ولا يحتمل التأويل بمعنى أن الحكومة يجب أن تضم الجميع وبخاصة من يحوزون مروحة واسعة من التمثيل داخل طوائفهم. الحقبة الحالية معنونة بالتوازن النوعي الخالي من المآل والمآرب المتشخصنة. غير أن التوازن يفترض التطور والتطوير في الأداء والقراءة والعمل. ومن الواضح أن العماد عون يملك تلك الرؤى الضامة الجميع.

لقد كتب السفير عبدالله بو حبيب أن المرحلة العونية كما وصفها ذهبية. وتشير الإحصاءات للتأكيد على الصفة الذهبية كما كتب السفير بو حبيب الى أن الحجوزات في الفنادق خلال موسم عيدي الميلاد ورأس السنة فاقت المتوقع ويدل كل هذا على ثقة متجددة بنهوض لبنان وتوثبه نحو النور واستعادته لعافيته. فالتسوية المسكوبة في لبنان بإمكانها أن تتطور وتتوسع نحو المنطقة بعد الحسم الميداني، لتؤكد الأوساط المراقبة أن خيار اللبننة بآفاقها المتوازنة وبعدها الاستراتيجي سمة دسمة وجذرية ووسيلة منطقية لتأمين الحل في سوريا والعراق وترسيخه رويدا رويدا في توطيد المشاركة بين أطياف المجتمعين السوري والعراقي ضمن وثيقة تسووية وتأسيسية جديدة تجيء من أن الرئيس السوري بشار الأسد حجر زاوية لها حتى يقول الشعب السوري كلاما مختلفا. فالرئيس السوري طالما يحارب الإرهاب فهو معطى مؤسس.

على هذا تعتبر أوساط دبلوماسية أن سلوكيات التعطيل لن تكون لمصلحة من يقوم بها من ضمن الشروط الضيقة. فالجميع وبحسب تلك الأوساط مدعوون لقراءة هادئة واستراتيجية للتطورات خلف الحدود والعالم جديد يتكون بمعايير ومضامين مختلفة قائمة على ترسيخ المعادلات الضابطة والناظمة له. فالسعوديون لن يعودوا لاعبين بالمطلق كما كانوا في المراحل المؤثرة في تطور النزاع والأتراك باتوا تحت الخيمة الروسية وإسرائيل على الرغم من جبروتها تدرك أن حزب الله لا يزال بترسانته يملك أوراق القوة بل هو قوة إقليمية وإيران مع روسيا وإن اختلف في بعض التوجهات فهما راسخان والمسيحية المشرقية وبتخصيص دقيق ستحيا من هذا التماهي ليس فقط بهذا العامل بل برافد روحي ساطع من قمة هافانا الشهيرة بين بابا روما فرنسيس والبطريرك الروسي كيريل.

هذه العوامل وبحسب الأوساط الدبلوماسية ينبغي أن تدخل في جوهر تأليف الحكومة في سياستها وإنتاجها لروحية سياسية جديدة ومكافحة الفساد وبناء الدولة القادرة والعادلة وإقرار قانون للانتخابات وبعد ذلك في مضمون علاقات لبنان بالخارج. والفلسفة الميثاقية بحالتها الوجودية هي البعد الخلاق للتأكيد على الدور اللبناني المفترص أن يكون مضيئا. تلك هي وظيفة لبنان بخصوصيته الساطعة في المراحل المقبلة.