IMLebanon

إستغباء أو دفن الرؤوس في الرمال؟

 

يدفن بعض المسؤولين اللبنانيين رؤوسهم في الرمال حين يستغربون أن يطرح راعي مؤتمر “سيدر” عليهم مجدداً شروط الإفراج عن المبالغ المخصصة لمشاريع الاستثمار المقررة له، أو عندما يطلقون العنان لحملات الاحتجاج على ما يعتبرونه “إملاءات” من بيار دوكان السفير المكلف من الرئاسة الفرنسية بمتابعة تنفيذ “سيدر”.

ينطبق ذلك على ما تسرب مما سمعه رئيس الحكومة سعد الحريري من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين التقاه الأسبوع الماضي في باريس من تكرار لمطالب دوكان الإصلاحية، ثم الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل في نيويورك، عن ضرورة عدم عرقلة الإصلاحات.

ما قيل عن امتعاض الرئاسة الأولى لاعتبارها ملاحظات ماكرون صدى لشكوى الحريري على باسيل من تأخيره بعض الإصلاحات (مثل تأجيل تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء إلى حين إقرار دفاتر الشروط لتلزيم معامل الإنتاج وإطلاق المناقصات… إلخ)، هو مثل آخر عن دفن الرؤوس في الرمال.

من السذاجة الاعتقاد بأن الدول المهتمة بمساعدة لبنان على إنقاذ اقتصاده لا تتابع تفاصيل ما يجري. فالشركات المستثمرة في “سيدر” تُقبل على البلد تحضيراً لالتزامها مشاريع وتجري اتصالات وتتعرف على الخطط. ونشاطها في لبنان ازداد قياسياً في الأشهر الأخيرة. وهي حين تلتقي المعنيين يحصل بعضها على أجوبة من النوع الذي ينصحها بتخصيص عمولة لهذا الفريق أو ذاك إذا أرادت التزام مشروع ما. فهل يعتقد المحتجون على لهجة دوكان وماكرون وغيرهما من ممثلي الدول، أن رؤساء تلك الشركات لا يطلعون قادة دولهم على شراهة بعض الطبقة السياسية للحصول على العمولات في بلد تشكو ماليته العامة هدر الأموال، من باب المنافع لسياسيين؟ لا أسرار في لبنان. حتى المؤسسات الدولية التي يتسلل مرض العمولات إليها قابلة للافتضاح، كما حصل قبل أشهر.

هل يتوهم بعض المسؤولين أن ممثلي الدول لا يعرفون أن تأخير تعيين مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء متصل بسعي نافذين، (خلال الأسبوعين الماضيين) إلى العودة لنغمة استئجار باخرتين إضافيتين لإنتاج الكهرباء في الزهراني وسلعاتا، وأن هناك إفادة مالية لهؤلاء منهما؟

هذا ما يفسر إصرار دوكان على إنشاء موقع إلكتروني تنشر فيه مشاريع “سيدر” بكاملها، مع تحديد قيمة كل منها وطريقة تلزيمه والشركات التي خاضت مناقصات التلزيم، ثم ملاحقة تفاصيل التنفيذ وكيفية صرف الأموال والتلزيمات المتفرعة عن كل منها (sub contracts)…

يشمل تذاكي بعض المسؤولين اللبنانيين على قادة الدول تجاهلهم لما تعرفه أجهزة المتابعة اليومية للسفارات عن أسباب رفع سعر الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء، وشح التبادل بالعملة الأميركية. فهل يعتقد هؤلاء أن ما يلغط به الوسطان المالي والتجاري منذ أسابيع، عن استفادة النظام السوري من حرية تنقل الأموال في لبنان من أجل شراء الدولار في سوق الصيرفة، بسعر عالٍ مقابل الليرة السورية المتدهورة القيمة، كي تتزود بالعملة الصعبة التي حرمتها منها العقوبات؟

وما فائدة استغباء ممثلي الدول بادعاء سياسة النأي بالنفس، حين يتيقنون أن استغلال السوق اللبناني شمل تهريب النفط الإيراني المُعاقب تصديره، إلى لبنان عبر العراق وسوريا، كبديل لتمويل “حزب الله” المباشر، ليُستهلك، ويُباع مقابل العملة الصعبة؟