مع أن أكثر من نصف جسم الرئيس اليمني المعزول علي صالح محروق، إلا أنه العقل المدبر وراء الفوضى التي تهب على اليمن منذ أشهر وحتى اليوم، متحالفا مع جماعة الحوثيين الموالية لإيران. الثعلب صالح خانته نباهته، ولم يستوعب بعد أن قطار الحكم فاته يوم خرج آلاف اليمنيين يطالبون بإنهاء حكمه السيئ الذي دام نحو أربعين عاما، ولم يتبق له شرعية أو مصداقية. ومثلما احترق في الثورة، يتسبب الآن في حرق المستقبل السياسي لابنه البكر أحمد، الذي سير من أجله المظاهرات في صنعاء قبل أسبوع يدعو اليمنيين إلى تتويجه.
والذي حرق طبخة صالح التآمرية، تسريب تفاصيل الرسالة السرية التي بعث بها سابقا مع ابنه أحمد لوزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. وسبب تسريب الرسالة خروج صالح على تلفزيون يمني بعد بدء قصف التحالف على قواته، زاعما أنه كان دائما مع الحل السياسي، وألا مطامع له أو أفراد أسرته في الحكم، مدعيا الحياد والوطنية. ظهر مثل الحمل الوديع أمام الشعب اليمني، متبرئا من الانقلاب والحرب التي هو سببها. كذبه دفع الرياض إلى تسريب تفاصيل الرسالة السرية التي أرسلها مع ابنه أحمد لوزير الدفاع الأمير محمد. ذكر تقرير تلفزيون «العربية» كيف أن صالح، وقبل يومين من شن الهجوم العسكري بقيادة السعودية، أرسل ابنه يساوم السعوديين على صفقة: مستعد أن يقف معهم ويبيع حليفه الحوثي، مقابل سلسلة مطالب، كلها شخصية له. طلب رفع عقوبات مجلس الأمن المفروضة عليه، مثل منع السفر وتجميد ثرواته في البنوك اليمنية والخارجية، وكذلك السماح لابنه بالحكم. الكشف عن الرسالة كان هدفه التوضيح للشعب اليمني أن «هذا صالح وهذا ما ساومنا عليه»، وعدم تلبية مطالبه الشخصية فيه ابتزاز بأنه سيكمل تحالفه مع الحوثيين للاستيلاء على الحكم على كل اليمن، وتخريب العملية الانتقالية التي رعتها الدول الخليجية والأمم المتحدة. السعودية رفضت الصفقة ونفذت الحملة العسكرية.
في الماضي، كنا نصف صالح بأنه ثعلب اليمن، وهو كان يقول عن نفسه «حاوي الثعابين»، لأنه حكم البلاد لعقود بالدهاء، وليس بالمؤسسات، حتى انتفض ضده الشعب اليمني في عام 2011. لم يقبل بالتنحي إلا مجبرا، محروقا في انفجار استهدفه في المسجد. وعندما عاد من السعودية التي عالجته، تآمر عليها، وتحالف مع خصومها الإيرانيين، وجماعتهم الحوثيين، ليتسبب في انفجار الأوضاع المحلية، وتخريب اليمن، وتهديد أمن الشرق الأوسط، ودفع الخليجيين للتصادم مع إيران.
فشل دهاء صالح في إغراء السعوديين بالصفقة، فهم يعرفون الثعلب المحتال شخصا وتاريخا لسنين طويلة، وقرروا أن الأفضل لهم وللشعب اليمني السير في مشروع المصالحة، والحل السياسي الذي تبنته الأمم المتحدة، لأنه الضمانة الوحيدة لكل اليمنيين، وليس لصالح وابنه فقط. وكان أيضا هو الخيار الأفضل لصالح لو فكر بتعقل، فالانخراط في المصالحة، بدلا من تخريبها، من أجل استقرار اليمن، كان سيجعله أبا يحتكمون عنده، ويعزز مستقبل ابنه أحمد الذي كان يمكن أن يكون أحد الزعماء المحتملين لقيادة البلاد مستقبلا.
غباء الثعلب المعزول حرق حاضره ومستقبل ابنه. فهو أخفق في حساب ردة الفعل السعودية منذ البداية. دهاؤه الشرير قاده إلى استخدام الحوثيين، لأنه كان واثقا أنهم، مثل «حزب الله» في لبنان، يستطيعون أن يغتالوا ويدمروا ويحتلوا ويلغوا الشرعية ولن يردعهم أحد، فيما هو يقوم بنقل الحكم لنفسه وابنه. إنما فاجأته سياسة الحزم السعودية، واكتشف أنها أكثر دهاء وحكمة مما تصوره. فقد راهن صالح على أن أي عمل عسكري خارجي ضده شبه مستحيل، فالاختلاف الخليجي الخليجي سيفشل أي تعاون، وأن الأميركيين لن يقبلوا بالتدخل السعودي حتى لا يغضبوا الإيرانيين، وهم يفاوضونهم نوويا في سويسرا. بوغت صالح بأن الرياض رتبت ضده واحدة من أفضل العمليات العسكرية والسياسية والقانونية. حملة «عاصفة الحزم» جمعت عسكريا القطريين مع الإماراتيين، وحصلت على دعم المصريين مع تأييد الأتراك، ورأى كيف أن الأميركيين سارعوا مؤيدين علانية، حيث هاتف الرئيس الأميركي العاهل السعودي الملك سلمان مؤيدا، وقدموا خدماتهم الاستخباراتية واللوجيستية. وتحولت القمة العربية إلى مؤتمر مؤيد بأغلبية ساحقة للحملة، وتم الاحتفاء بشرعية الرئيس هادي، الذي جلس أمام العالم على كرسي رئيس اليمن، وألقى كلمة عن الشعب اليمني. هذا كله يجري في وقت اختبأ فيه الثعلب صالح هاربا من العمليات العسكرية التي استهدفت قواته، ومختفيا عن القبائل التي تطارده للقبض عليه وتقديمه للمحاكمة بعد أن خرق عهود المصالحة وضمانات الحصانة.