المادة 41 من الدستور اللبناني الذي تحوّل منذ سنوات الى وجهة نظر يفسّرها المسؤولون والسياسيون بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية والطائفية، تنصّ على ما يأتي: «اذا خلا مقعد في مجلس النواب، يجب ـ ارجو الانتباه الى كلمة يجب ـ الشروع في انتخاب الخلف في خلال شهرين، ولا تتجاوز نيابة العضو الجديد، أجل نيابة العضو القديم ـ ».
نائب منطقة جزين ـ وأنا بالمناسبة من هذه المنطقة ـ المرحوم ميشال الحلو توفي بتاريخ 27 حزيران 2014 اي منذ اكثر من 19 شهراً، ومع ذلك رفضت الحكومة ووزير داخليتها نهاد المشنوق اجراء انتخابات نيابية فرعية في منطقة جزين، المعروفة بانها منطقة هادئة بامتياز، والعيش المشترك فيها مثال يحتذى في جميع لبنان، وذلك في مخالفة صريحة للدستور، دون ان يتحرّك مجلس النواب لمحاسبة الحكومة ووزير الداخلية الذي كان ملزماً وليس مخيّراً، بالدعوة الى اجراء الانتخاب في موعده الدستوري، وليس بعد سنة وسبعة شهور، أو اكثر، لان هناك من يخشى الا تحصل هذه الانتخابات، على الرغم من ان مجلس الوزراء وافق على تأمين الاعتمادات لها وللانتخابات البلدية.
ان تأجيل هذا الانتخاب الفرعي، هو تأجيل غير دستوري، مثله مثل تأجيل الانتخابات العامة، التي نصّ عليها الدستور في المادة 42، بانها تجري لتجديد هيئة المجلس في خلال ستين يوماً التي تسبق انتهاء مدة النيابة، وتم التمديد للمجلس النيابي بحجة ان الاوضاع الأمنية لا تسمح بذلك، واعطي مثلاً على ذلك الاحداث التي كانت تمر بها بلدة عرسال، وهذه حجّة ساقطة دستورياً وعملياً، لانه كان بامكان الدولة ان تفتح مراكز انتخابية لاهالي عرسال وغير اهالي عرسال في مناطق بعيدة عن التوتر، مثلما فعلت في اكثر من انتخابات سابقة عندما فتحت لابناء الجنوب اثناء الاحتلال الاسرائىلي مراكز انتخابية في بيروت، ولو كان هناك رغبة ونيّة حقيقية في اجراء انتخابات نيابية عامة، كانت الحكومة ومجلس النواب والقيادات السياسية لجأوا للتدبير ذاته، وكان لبنان ربما، نجا من مأساة التعطيل التي يدفعون اليوم ثمنها من امنهم واقتصادهم واوضاعهم الاجتماعية المتردّية.
*****
هذه المقدمة الطويلة نسبياً، كانت ضرورية لالقاء الضوء على تقاعس الطبقة السياسية الحاكمة، التي تستمر متحكمة بالمواطنين تحت حجج وذرائع لا علاقة لها بالنظام البرلماني الديموقراطي، ولا بالدستور والقوانين، بل بما يناسب استمرار وضعهم اليد على البلد ومقدّراته، اما وقد وافق مجلس الوزراء على تأمين الاعتمادات المالية اللازمة لاجراء الانتخابات البلدية والفرعية، وحيث ان الخزينة ليست في احسن حالاتها، كما يؤكد ذلك وزير المال علي حسن خليل، وبالتالي يفترض بالحكومة ومجلس النواب، ان يفتشا عن طريقة لتبييض صفحتهما مع المواطنين، الذين خذلوا في اكثرمن مناسبة ومحطة، وفي الوقت ذاته يوفّرون على الخزينة وعلى المكلّف الاموال الطائلة، فتتمثل الحكومة والنواب بالدول الديموقراطية الراقية، التي تجري فيها الانتخابات النيابية والبلدية معاً، توفيراً للمال والجهد، وعدم تضييع ساعات العمل المنتجة، وهذا الأمر يستدعي تشكيل لجنة برلمانية تكلّف درس الموضوع بعد الاطلاع على الاجراءات التي تعتمدها الدول في مثل هذه الحالة، بحيث تجري الانتخابات العامة، النيابية والبلدية والاختيارية، في ذات اليوم، وهذا التدبير يفسح امام المواطن في فترة محددة اختيار من حمل وزنات الشعب وزاد عليها، ومحاسبة من سقط في الامتحان النيابي والبلدي والاختياري دون نسيان الاموال التي يمكن توفيرها.
بانتظار اكتمال افراح الانتخابات البلدية والفرعية والاختيارية، هناك سؤال يفرض ذاته هل يمكن للحاكمين بأمر مصالحهم، ان يصدقوا ولو مرة واحدة؟