منذ 17 تشرين 2019 ونحن نقول: «مبارح أفضل من اليوم، واليوم أفضل من بكرا» ويوماً بعد يوم تزداد هذه القناعة، ولأنّنا لم نعد نشعر بالأيّام لكثرة ما يحلّ علينا من مصائب ولعنات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، يبدو أنّنا سنترحّم على العام 2022 ما دمنا نستمتع بالسّقوط الحرّ في هاوية الانحلال الممنهج لكلّ مقوّمات الدّولة.
وإذا كان الأمن ممسوكاً، حتّى تاريخه، فهذا لا يلغي بأنّ لبنان اليوم أشبه بقنبلة معدّة للتّفجير في التّوقيت الّذي يراه عرّاب الانتفاضات المتنقّلة منذ 2011 إلى اليوم مع استمرار الاحتجاجات في إيران واندلاعها في الأردن، عقب القمّة العربيّة – الصّينيّة في المملكة العربيّة السّعوديّة، والقلق الّذي تمثّله الحالة الثّوريّة المتصاعدة في الضّفّة الغربيّة على الكيان الصّهيوني، إضافة إلى تضييق الخناق الاقتصاديّ على سوريا ودخولها مرحلة تأزيم قد توازي تداعياتها أعمال العنف والإرهاب الّتي شهدتها على مدى عشر سنوات مستمرّة.
أمام هذا المشهد المعقّد إقليميًّا والأكثر تعقيداً على المستوى الدّوليّ مع اخفاق روسيا في تحقيق أهدافها في أوكرانيا، واستغلال حلف النّاتو بقيادة الولايات المتّحدة الفرصة لإطالة أمد الحرب وإنهاك «بوتين» سياسياً واقتصادياً، وارتباط الحرب عسكرياً بإيران عبر المسيّرات واقتصاديًّا بالسّعوديّة من خلال «اوبك بلس» ينتظر بعض اللّبنانيين تسوية خارجيّة تنقذ لبنان من محنته!
والواقع أنّ لبنان «النّقطة على الخريطة» ليس على جدول أعمال أحد من اللّاعبين الكبار، ولو قدّم المغامرون والمقامرون مصلحة البلد على مصالحهم الشّخصيّة ليمرّ انتخاب رئيس الجمهوريّة بسلاسة وهدوء، ولكان حزب الله، المعني الأكبر بالاشتباك الإقليمي في موقع تفاوضيّ أفضل لولا الابتزاز الفاضح الّذي يمارسه عليه جبران باسيل، ليس رفضًا لفرنجيّة وعون فقط، كما يدّعي، بل لأنّ الحزب ليس في وارد دعم ترشيحه لرئاسة الجمهوريّة، وهذا مربط الفرس بالنّسبة إليه.
ولأنّ الصّفقات المشبوهة سهلة التّمرير في ظلّ غياب السّلطة والرّقابة والمحاسبة جاء إعلان وزير الاتّصالات «جوني القرم» عن توقيع اتّفاقيّة مع شركة «سيتا» القبرصيّة لإنشاء كابل بحريّ يربط لبنان بقبرص، وجاء في بيان مكتب الوزير: (تفادياً للأسوأ وانقطاع الإنترنت وبعد قرب انتهاء صلاحية خدمة الكابل البحري بين لبنان وقبرص CADOS الذي يؤمّن تمرير جزء مهم من تخابر الإنترنت اللبناني وقّع القرم اتفاقية مع شركة سيتا CYTA القبرصية لإنشاء كابل بحري جديد يربط لبنان بقبرص (CADMOS) بدل الموجود حالياً (CADOS) علماً بأن كامل الكلفة على عاتق شركة CYTA القبرصية»).
في القراءة الأولى لا شيء يدعو للقلق، ولكن بالعودة إلى 15 حزيران 2017 يتبيّن بأنّ اتّفاقاً وُقّع بين كلّ من اليونان وقبرص و«إسرائيل» على تمرير كابلات الاتّصالات الضّوئيّة تحت سطح البحر للرّبط بين أوروبا والشّرق الأوسط وآسيا لتعزيز قدرات الاتّصال عبر الانترنت!
وسوف يربط «كوانتوم كيبل»، حسب وزير الاتّصالات القبرصي يومها، قبرص بإسرائيل مع جزيرة كريت وأتيكا في اليونان ليمتدّ إلى إيطاليا وفرنسا ثمّ يلتقي في «بلباو» بإسبانيا مع كابل «ماريا» الّذي يمتدّ 6600 كيلومتر عبر المحيط الأطلسي آتيًا من فيرجينيا الأميركيّة.
هذه الخطوة في توقيتها وحيثيّاتها دعت عضو كتلة التّنمية والتّحرير النّائب «قبلان قبلان» إلى توجيه سؤال إلى الحكومة واضعاً عدّة علامات استفهام يجب توضيحها للرّأي العام اللّبنانيّ، لأنّ مرور كامل داتا الاتّصالات اللّبنانيّة عبر كابل يشترك العدوّ الإسرائيليّ في إنشائه ليس أمراً عابراً، خصوصاً بأنّ معلومات تؤكّد عدم اطّلاع الأمن العام اللّبنانيّ على هذا القرار، وهذه شبهة أخرى يجب التّوقّف عندها.
وقد طرح النّائب قبلان على الحكومة الأسئلة التّالية:
1- وعليه، فإننا نتوجه بمجموعة من الأسئلة آملين الإجابة عليها وهي: هل صحيح ان لبنان يرتبط مع مارسليا بكابل IMEWE بسعة 13500 جيغابايت/ ثانية وانه يستخدم فقط ما سعته 1300 جيغابايت/ثانية أي أقل بعشرة بالماية من سعة الكابل؟
2- هل صحيح ان الكابل الذي يربط لبنان بقبرص (CADOS) سعته 1000 جيغابايت/ثانية وان المُستخدم من هذه السعة هو 800 جيغابايت/ثانية؟ وهل صحيح ان هذا الكابل تنتهي صلاحيته في العام 2030؟
3- هل هناك حاجة فعلية لإنشاء كابل جديد لا سيما ان الكابل القديم لا زال صالحاً لمدة ثماني سنوات قادمة؟
4- هل من حاجة بالأساس لهذا الكابل؟
5- ما هي خلفية هذه المبادرة القبرصية (السخيّة) بدفع عشرة ملايين دولار من الأموال العامة القبرصية على اعتبار أن CYTA شركة حكومية مملوكة من الدولة القبرصية وجميع أموالها أموال عامة وهي تخضع لرقابة المجلس النيابي وديوان المحاسبة ووزارة المالية في قبرص إضافة الى ذلك فقبرص هي دولة عضو في الإتحاد الأوروبي وهي كحكومة ومؤسسات عامة وإصدارات عامة ملزمة بتطبيق المعايير الأوروبية المالية في موازنتها العامة وهي ملزمة أن تودع نسخة من موازنتها السنوية لدى الإدارة المالية في الإتحاد الأوروبي على أن لا تتخطى نسبة عجز سنوي بسقف 3٪؟
6- ما هي درجة الخطورة في هذا الكابل على الأمن القومي اللبناني وامن كل مُستعمل لتقنية الإتصال مهما كان نوعها؟
7- هل تم استشارة جهاز الأمن العام اللبناني المعني بهذه المسائل وما هو رأيه؟
8- هل صحيح ان قبرص ومنذ أكثر من عشرة سنوات تدفع بإنشاء هذا الكابل وان لبنان كان يرفض لإعتبارات مرتبطة بالأمن القومي؟