بالحرف، قال بيان البيت الابيض ان الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس باراك اوباما سيناقشان يوم الجمعة «الخطوات الرامية الى مواجهة نشاطات ايران التخريبية».
لا احد يسأل الاميركيين لماذا ذهبتم الى كوريا، والى فيتنام، والى نيكارغوا، والى افغانستان والعراق؟ في مقالة سابقة قلنا ان الولايات المتحدة نسخة بشرية عن القضاء والقدر. من يتجرأ ان يسأل القضاء والقدر لماذا فعلت هذا وكل هذا؟
كلنا يستذكر ان الادارات الاميركية المتعاقبة، ومنذ دوايت ايزنهاور وحتى جيمي كارتر، اعتمدت الشاه محمد رضا بهلوي رجلها في الخليج. هو من يحتل الجزر الاماراتية الثلاث دون ان يحرك العرب ساكنا (راحوا يحركون ساكنا بعد خلع الشاه)، وهو من يفرض اتفاق شط العرب الذي يسحق العراق اقتصاديا واستراتيجيا، وهو من يبعث بجنوده الى ظفار ليدمروا فيها الانتفاضة، وهو من يقيم احتفالات برسيبوليس الشهيرة احياء الامبراطورية قوروش وما فعلته من اعالي آسيا وحتى ضفاف المتوسط…
بل هو من قال لاحمد بهاء الدين» من هنا، اي من ايران، الى مصر، لا يوجد بشر». اعتبر ان شبه الجزيرة العربية خالية من البشر. لا احد من ملوك العرب آنذاك ذهب الى البيت الابيض ليناقش مع الرجل الذي هناك «النشاطات التخريبية لايران».
قلنا اكثر من مرة اننا على مسافة هائلة من البنية الدينية وحتى المذهبية للنظام في ايران، واننا ضد المس بحفنة تراب من ارض العرب، فهل نسي اوباما انه قال للعرب، ومنذ فترة وجيزة «ان مشكلتكم ليست مع ايران بل مع الداخل». الدعوة جلية الى التحديث، والتفاعل مع ثقافة القرن، لا البقاء على تخوم القرون الوسطى، وبالتالي انتاج تلك الظواهر البربرية التي لا ترى في النص القرآني سوى البوابة الدموية الى حوريات الجنة وانهار العسل.
الاميركيون قالوا لمحمد حسنين هيكل ولآخرين ان ثمة انظمة لم يعد باستطاعتها البقاء، واي محاولة تحديث لها تعني تحللها واندثارها. تبقى كما هي الى حين او ترحل كما هي الى الابد.
لا شك في ان الهيستيريا الجيوسياسية تتحكم بالكثيرين داخل السلطة، بما في ذلك السلطة الدينية، في ايران، ولكن كنا نأمل ان يناقش العاهل السعودي مع القيصر الاميركي «النشاطات التخريبية التركية»، ما دام المس بالنشاطات التخريبية الاسرائيلية هو المس بالمقدس…
كما لو ان رجب طيب اردوغان، وكان يدعو بشار الاسد ب ـ«اخي العزيز»، لم يعبث، دمويا، وبأصابعه العشرة، في سوريا، وكما لو انه لم يفتت العراق قطعة قطعة، وتنشط اجهزة استخباراته في اصقاع الدنيا لاستقطاب تلك الحثالة الايديولوجية والالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية الذي هو صناعة استخباراتية ولغايات استخباراتية بالدرجة الاولى..
وكما لو ان رجب طيب اردوغان لم يستخدم «الاخوان المسلمين»، وهم دوما رجال اي بلاط، لتحويل مصر(ام الدنيا وام العرب) الى محمية عثمانية..
لكي تبقى الانظمة يفترض ان تبقى سوريا مسرحا للحرائق، كما لو ان ازالة «سلطة الاسد» تعني قيام اليوتوبيا( وعلى طريقة يوتوبيا العصر الحجري الشائعة في العالم العربي)، ويفترض ان تبقى ارض الرافدين مسرحا للتيه وللخواء…
نرفض ان نكون ضعفاء الى هذا الحد، ونذهب الى واشنطن (ولماذا هناك؟) لنناقش النشاطات التخريبية لايران. لماذا لا نناقش الايرانيين وجها لوجه، ونحن نعلم ان المملكة استضافت محمود احمدي نجاد، بكل غيبياته وبكل صخبه، وترفض ان تستضيف حسن روحاني، وهو الذي يمد اليد المرة تلو المرة «يا جماعة تعالوا لنجلس ونتفاهم».
المنطق يقول، ونحن الذين لدينا اضعاف اضعاف ما لدى ايران من الدبابات والقاذفات والصواريخ والصناديق، ان نناقش الرئيس الايراني لا الرئيس الاميركي الذي كما اي رئيس اميركي اخر، يتكلم بلغة مزدوجة، ويسخر من هشاشتنا، ويعاملنا كما لو كنا ضيوف شرف على سوق النخاسة، والا اين هي المبادرة الديبلوماسية العربية التي لم نستطع ايصالها الى نيويورك، فكيف بواشنطن التي صدمتها كلمة «العودة». على الفلسطينيين ان يبقوا في الشتات والى الابد.
ماذا فعل الاميركيون للعرب سوى انهم، بأساطيلهم، كرسوا ثقافة الصدأ، والاجترار، والامية، والديكتاتورية. ناعوم تشومسكي هو من قال «نحن مسؤولون عن موت الازمنة في الشرق الاوسط»؟
لكن الصراع مع ايران، وفي لعبة البقاء، ضرورة حياة. لا مشكلة ان تتحول سوريا الى مستنقع للدم، وان يرقص العراق عند حائط المقبرة،ولكن متى كانت الولايات المتحدة ضنينة باصدقائها ولا ترمي بهم عن السطوح؟ تذكروا انها وقعت مع الايرانيين اتفاق فيينا. فسروا جيوستراتيجياً كما شئتم…!