متابعو مسيرة مؤسس “حزب العدالة والتنمية” رجب طيب أردوغان، منذ نجاحه في الوصول وحزبه الى حكم تركيا من طريق الانتخابات والديموقراطية قبل أكثر من عقد حتى الآن، يعتقدون أنه مرّ بمراحل عدة، أبرزها اثنتان. الأولى مرحلة رجل الدولة الاسلامي المعتدل أو المحافظ كما يحب أن يصف نفسه، المؤمن بالنظام الديموقراطي الذي أسسه مصطفى كمال المعروف بأتاتورك في بلاده بعد انهيار السلطنة العثمانية والخلافة الاسلامية، والراغب في الوقت نفسه بادخال تعديلات عليه تظهر الهوية الاسلامية لشعبه وان انضمت دولته الى الاتحاد الأوروبي حيث الفصل تام بين الدين والدولة. وهي أيضاً مرحلة رجل الدولة الذي أخرج الاقتصاد التركي من تردّيه، والذي نجح في وضعها على طريق الازدهار بعدما كانت مثقلة بالأعباء، وبعدما كانت عملتها في شبه انهيار في مقابل العملات الصعبة وفي مقدمها الدولار الأميركي. وهي أيضاً مرحلة رجل الدولة الذي لم يتخلَّ عن الانضمام الى الاتحاد الأوروبي كدولة ديموقراطية علمانية ومسلمة في آن واحد، ولكن الذي يمّم وجه بلاده شطر العالم الاسلامي العربي وغير العربي معتبراً أنه محيطها الطبيعي، وأن القوة التركية العسكرية والاقتصادية والتراث الديموقراطي مع الحلف الثابت مع أميركا والعضوية الرسمية في حلف شمال الأطلسي، معتبراً أن ذلك كله يمكّن تركيا من أن تكون لاعباً اقليمياً أساسياً مع الدول المشابهة لها وهي قليلة مثل ايران واسرائيل. أما المرحلة الثانية التي مرّ بها أردوغان فهي التي تحوّل فيها من رجل دولة الى زعيم شعبوي همّه الأساسي السلطة والمجد الشخصيّان وان على حساب قيم عدة أظهر ايمانه بها سابقاً مثل مكافحة الفساد، ومن زعيم دولة اقليمية مهمة ذات دور بنّاء الى طرف مباشر في حرب سوريا وفي حرب العراق رغم حرصه على بقاء علاقاتها مع ايران الاسلامية حامية النظام في كل من الدولتين. وهي حماية لم تنجح الاّ في تفادي سقوط النظام السوري نظرياً لأنه سقط عملياً وفشل في جعل العراق كله تحت سيطرتها بواسطة حلفائها الشيعة منه رغم كونهم الغالبية.
هذه الشعبوية ومعها الشبهات الكثيرة التي أحاطت به وحلمه بالتحوُّل رئيساً مطلق الصلاحية مثل الرؤساء الأميركيين غيّرا نظرة الأتراك اليه رغم احتفاظ حزبه بالمرتبة الاولى بين أحزابهم، ومنعته من تحقيق حلمه. وبدلاً من أن يتّعظ ويحاول لملمة الأمور، فإنه تصرّف كخاسر وبدأ سياسة آثارها سلبية على ازدهار البلاد واقتصادها المتين، وسلبية أيضاً على عملتها التي استعادت عزّها، وسلبية ثالثاً على أمن البلاد بعد استقرار أمني وسياسي جعل منها قبلة السيّاح العرب والأجانب. وقد بلغت شعبويته حداً جعله يفضّل انتخابات عامة مبكرة تعيد له الأكثرية النيابية المطلقة أو تحقّق له وهمه بأكثرية الثلثين في المجلس النيابي، ويقوم بخطوات تجعل تقديم موعدها حتمياً، وان أدخلت البلاد في آتون عنفي قد يتحوَّل حرباً أهلية وفي فراغ حكومي وفي جمود اقتصادي وفي تقليص نسبة النمو فيها. وأبرزها كان وقف الهدنة مع حزب العمل الكردستاني التركي، واعتبار أكراد تركيا كلهم وفي مقدمهم الحزب الديموقراطي للشعب الذي استحق 80 مقعداً نيابياً بعدما وسّع قاعدته لتشمل الى الأكراد ليبراليين اتراكاً، اعتقاداً منه أن ذلك يعيد التفاف الشعب التركي حوله. اذ ترفض غالبيته غير الكردية انفصال الأكراد أو تمتّعهم بفيديرالية أو حكم ذاتي. كما كان أبرزها بدء الانخراط المباشر في الحرب السورية بذرائع عدة بالتفاهم مع أميركا ورعاية “الأطلسي”.
هل ينجح أردوغان في تحقيق أهدافه شعبوياً؟
النجاح الكلي مستبعد نهائياً، أما النجاح الجزئي في استعادة غالبية نيابية مطلقة فممكن على صعوبته. كان على الرئيس أردوغان بعد الانتخابات الأخيرة مطلع حزيران الماضي أن يتحالف مع الحزب الديموقراطي للشعب (الكردي الغالبية) فيضرب عصافير عدة بحجر واحد. تحفظ أولاً استقرار تركيا السياسي والأمني. وتحلُّ ثانياً قضية داخلية كلّفت تركيا بكل شعبها آلاف القتلى والجرحى فضلاً عن الكلفة المالية الباهظة. ويعد نفسه بذلك وبمواقف أخرى لممارسة دوره لاعباً أساسياً في منطقة، وخصوصاً سوريا والعراق، يسعى كبارُها وفي مقدمهم ايران الى التعاون معه لاعادة الاستقرار اليها. والممارسة يمكن أن تكون سياسية وديبلوماسية وعسكرية. لكنه لم يفعل ذلك، وسيدفع شعبه كما شعوب المنطقة الثمن الا اذا قوّم تجربته علمياً واعتبر بنتائجها. فهل يفعل؟